«العقيلي».. يبتكر «بدوة» الفول والحمص.. بنكهة عمّان القديمة
خاص بموقع كسرة- عمّان – الأردن
من الطريق إلى جبل القلعة باتجاه وسط البلد، مروراً بشوارع ضيقة، وحارات قديمة تفوح من جنباتها أصالة الماضي و«بعض مظاهر الحاضر»، وعلى مقربة من مجمع الشابسوغ «أحد أشهر المجمعات التجارية في عمّان القديمة»، يقبع مطعم «العقيلي».
تتوزع طاولات المحل على الرصيف المحاذي والآخر المقابل للمطعم، يجلس شاب يطلب صحن فول أو صحن «بدوة»، مع الفلافل والشاي، يلقي السلام رجل كبير السن، يجلس إلى جانبه، يطلب صحن فول بلبن، يوصي بخبز طابون من مخبز بجانب المطعم، يأكل، ينهي طعامه، لتكتشف أنهما لا يعرفان بعضمها، لكن يجمعهما حب المكان والعشرة الطويلة معه.
يدخل إبراهيم جابر (34 عاماً)، يبتسم، يتحدث مع أحمد العقيلي، يطلب صحن «بدوة» مع فلافل و«كاسة شاي حلوة»، يجلس بانتظار الطعام كأنه فرد من أفراد الأسرة.
يقول جابر إنه يتردد على المطعم منذ حوالي 7 سنوات، ويأتي كل جمعة إلى «البلد»، ويتناول الإفطار، في «العقيلي» الذي يعتبر من تراث منطقة البلد.
ويشير جابر الذي يعمل في محل لمواد البناء، إلى أن سرّ تعلقه بالمطعم، يعود إلى اهتمامه بجودة الطعام المقدّم، وتقديم أصناف مثل «البدوة» والفول باللبن التي لا يقدمها مكان آخر.
وراء «الكاونتر» يقف أحمد، الشاب العقيلي، ابن مؤسس المطعم، يضع الحمص في العلب، يصب فوقه الزيت، يغلق العلبة، يتناول صحناً من زبون، يتفنن برسم وردة بالحمص، يضع بجانبه الفول، بعدما طلب الزبون صحن «مشكل».
انشغال أحمد، جعله يطلب من والده الحضور إلى المطعم، لتقديم كافة التفاصيل حوله، لينزل الحاج روحي محمد العقيلي (70 عاماً)، الذي افتتح والده المطعم عام 1920 في منطقة جبل عمان، ثم انتقل هو بالمطعم إلى منطقة الشابسوغ عام 1965، بعدما أنهى دراسته الجامعية بتخصص التاريخ من جامعة دمشق، ولم يجد عملاً، فعمل في المطعم.
ويبيّن أن العمل الذي تحبه تنجح فيه بسهولة، وقد أحب المهنة لكونها مهنة والده من قبله، فتعلمها في الصغر.
«رحم الله وجهاً سمحاً»، يقول الحاج روحي، مشيراً إلى أنّ هذه المقولة هي أحد أهم أسباب نجاح المطعم، إضافة إلى الاهتمام بكافة تفاصيل صناعة الطعام والاهتمام بالزبون، من دون الاكتراث إلى الأرباح الكبيرة.
ويقول انّ المطعم يقدم منتجات يتميز بها عن غيره من المطاعم، مثل الفول باللبن، الذي أحضر خلطتها من سوريا، إضافة إلى «البدوة» وهي خلطة من اختراعه، تتكون من الحمص والبندورة والليمون والفلفل والثومة والطحينية، وسُمّيت بـ«البدوة» لأنّ الأكل يبدأ بها.
ويستذكر الحاج روحي، أن الراحل الملك الحسين بن طلال كان من زبائنهم الدائمين عندما كانوا في جبل عمان وبعد الانتقال إلى مجمع الشابسوغ، إضافة إلى المرحوم الأمير زيد بن شاكر، وبعض الشخصيات البارزة في الزمن الماضي أمثال سابا العكشة ومحمد عبد الرحمن خليفة.
ويشير إلى أنّ الملك الحسين كان يتردد على المطعم في منطقة جبل عمان مع أصدقائه حمدي الطباع وغيره وفي بعض الأحيان يدفع هو وفي أحيان أخرى هم يحاسبون على الطلبات، وذلك قبل توليه عرش المملكة، ويقول إن الملك رآه في إحدى المرات في شارع الشابسوغ حيث كان يسكن، وأوصله إلى المطعم في جبل عمان.
ويوضح أن الكلف العالية أثرت على المطعم، إلا أن الأسعار ما تزال في متناول الجميع، إذ أصبح صحن الفول مع خبز وشاي الآن بسبعين قرشاً، فيما كان بداية الافتتاح بـ15 قرشاً، لكن الربح كان في السابق أفضل من الآن، لأن الكلف كانت أقل، فـ«تنكة» الطحينة كانت بـ6 دنانير وأصبحت الآن بـ60 ديناراً، وشوال الحمص كان 3.5 دينار، والآن بـ70 ديناراً.
ويشير إلى أن المطعم يفتح في الفترة الصباحية فقط، لأن واحداً من أبنائه الثلاثة من تعلم المهنة، بعدما أنهى دراسته، في حين أن له ابناً يعمل طبيباً والآخر موظفاً في قصر العدل.
ويقول الحاج إنّ ابنه أحمد الذي يعمل في المطعم، يذهب إلى البيت عندما يخرج مصاريفه، ويغلق المطعم أيضاً في حال انتهاء وجبة الطعام المحضرة سلفاً.
ويذكر الحاج، أن جده سافر من الحجاز إلى الأردن عام 1880 واشترى قطعة الأرض المحيطة بجبل القلعة من العثمانيين، وعند بدء فرز الأراضي عام 1952 سُمح للأشخاص الذين بنوا بيوتهم في المنطقة بتملّكها.
ويقول الحاج روحي إنه عضو لجنة محلية في جبل القلعة، ومن أهم انجازاتهم تأمين تمويل للفقراء في المنطقة لمدة ستة أشهر، وهم نحو 160 عائلة فقيرة.
ورغم أنّ المطعم بعيد عن وسط البلد «الحيوية» في هذا الوقت، إلا أنّه يبقى معلماً بارزاً في وجه عمان القديمة، يعرفه أبناؤها، ولا ينفكّون عن مغازلة ذاكرتهم وذاكرة المدينة بزيارته.
القسم : غرائب وطرائف
اضف تعليق