المحتوى الرئيسى

محمد علي باشا يتسلّم الحكم 5

تعهد محمد علي للعلماء أن يحكم بالعدل، واحترام حقوق الشعب، وألا يأخذ أي قرار دون العودة إلى العلماء، ويزيد الأمر بأن يطلب من العلماء وفقهاء القانون، في حال عدم التزامه بالوعود، يحق لهم أن يعزلوه.

كان الصراع قد وصل إلى مرحلة اللا رجعة، فمن ناحية كان الفقراء والمعدمون يواصلون بيع ثيابهم ومستلزمات بيتهم الضرورية في مقابل شراء الأسلحة، لمواجهة جنود خورشيد باشا، الذي رفض التنازل عن الحكم، ومن ناحية أخرى كان عمر مكرم يتجول في الحواري والأزقة لتحفيز الناس.

تعامل المواطن البسيط مع الأمر على أنه أخيراً توحدت الجهود للتخلص من الاحتلال العثماني، وأن تعيين محمد علي أمر في يد الشعب المصري وحده.

بعد الاحتلال الفارسي واليوناني والروماني والعربي، أصبح للمصريين كلمة وسيادة حقيقية على أرضهم، ولكن هناك صراع آخر يدور في غرف مغلقة وخلف الكواليس لا يعلم عنه المواطن المصري شيئاً، كان يدور الصراع بين القوى الاستعمارية على تقسيم الكعكة، حيث علمت كل من فرنسا وإنجلترا بحقيقة ما يدور في الشارع المصري.

وطلبت إنجلترا من محمد الألفي تحسين علاقته مع محمد علي، حتى يتم تعيينه كشيخ بلد، لأن الألفي بالنسبة إلى إنجلترا في ذلك التوقيت هو حصان طروادة الذي من خلاله يمكنها اختراق السيادة المصرية.

ومن ناحية كتب «دروفيتي» موصياً بعد التدخل بين الطرفين حتى يعلموا موقف «الباب العالي» من الخطاب الذي أرسله العلماء وفقهاء يطالبون فيه بتعيين محمد علي والياً على مصر.

علمت فرنسا بطلب إنجلترا من محمد الألفي أن يحسن العلاقة مع محمد علي وقلقت منه كثيراً، لأن خروج الألفي من العاصمة كان يعد انتصاراً لها، وإذا قبل محمد علي بهذه المصالحة فإن إنجلترا سوف تكسب نفوذاً في مصر لن تستطيع فرنسا مجابهته.

استمرت الثورة المصرية على خورشيد باشا لمدة شهر، ورفض الجنود الألبان التدخل في المعركة ضد خورشيد لأنهم لم يتحصلوا على رواتبهم، ولكن حل الشعب المصري رجالاً ونساءً وأطفالاً بديلاً عنهم.

انتظر محمد علي ثمار رسالة العلماء إلى «الباب العالي»، وفي 18 يونيو من عام 1805، يرسل «الباب العالي» صلاح باي لتقييم الوضع في العاصمة، والنظر في الإبقاء على خورشيد باشا أو تعيين محمد علي باشا لبشوية القاهرة.

ولما رفض خورشيد أي اتفاق؛ فإن الوضع قد ازداد سوءاً، فأرسل «الباب العالي» «كوتشوك إمبروخور » (الفارس الثاني) إلى مصر بفرمان، جاء –حسب الجبرتي–  نصه كالتالي:

«إلى محمد علي والي جدة سابقاً ووالي مصر منذ العشرين من شهر ربيع الأول، يوافق الباب العالي على اختيار العلماء لشخص محمد علي، ويعلن أحمد خورشيد مقالاً من مهامه، وإلى ذلك يتعين عليه السفر إلى الإسكندرية مع كل الاحترام الواجب له، وهناك عليه انتظار التعليمات التي ستوجه له، وتعيينه في حكومة أخرى».

لم يبالِ الشعب المصري بالتغييرات التي حدثت، وواصل قتاله من أجل جلاء كل القوات العثمانية عن البلاد، باختصار كان الشعب يريد استقلاله.

إلا أن العلماء قد رأوا أن الثورة التي اندلعت في البلاد قد تمثل خطورة على الامتيازات التي يتمتعون بها، فقرّروا وأد أي محاولة لاستمرار الثورة المصرية التي تنادي باستقلال البلاد عن الدولة العثمانية، لأنهم ظنوا في لحظة ما أنهم يستطيعون إقالة محمد علي من الحكم، أما الوجهاء والتجار منهم فكان كل ما يتمنونه هو عودة الاستقرار والأمن وحرية مرور القوافل.

ولما وجد خورشيد باشا أنه فقد دعم السلطان وضع بعض الشروط؛ والتي كان أهمها ألا يرغم على تقديم أي كشف عن حساب المالية، وأن تدفع قيمة 500 بورصة إلى جنودة كرواتب متأخرة، وفي السابع من شهر أغسطس يصعد الوالي المخلوع على ظهر سفينة برفقة أسرته متوجهاً إلى الإسكندرية.

ويكتب ورقة بخط يده تركها ساعة سفره «أترك خلفي رجلاً سيصير أكبر متمرد في الإمبراطورية، لم يكن سلاطيننا قط في يوم من الأيام بمثل حيلة هذا الرجل المتقد النشاط».

عين خورشيد باشا فيما بعد باشا لبشوية حلب، وطرد منها من قبل الأهالي، وانتهى به الأمر برأس مفصولة.

ويشرع محمد علي في مهمامه على رأس الحكومة المصرية، والتي سيبقى على رأسها لمدة 44 سنة متتالية.

 



لا تنسى تقييم الموضوع

القسم : غرائب وطرائف

المصدر : ßÓÑÉ

قد يعجبك أيضاً

اضف تعليق

فكرة الموقع : "كله لك" هو شراكة بيننا و بينكم ..دورنا : انتقاء أفضل الموضوعات المنشورة و المتداولة علي المواقع ... دوركم : تقييم المحتوي للتأكيد علي أهميته أو إرشادنا لحذفه

لمعرفة المزيد عن الموقع اضغط هنا