المحتوى الرئيسى

البرديسي والألفي يجتمعان ضد محمد علي باشا 3

وصل محمد بك الألفي إلى مصر وهو معتدّ بنفسه، كان يرى أنه الرجل الأول وسيد مصر، شرع في قبول كل العروض تحت هذه الصفة.

الألفي كان له تأثير في الأهالي وخصوصًا في الضواحي، وازدادت شعبيته، وأخذ بعض المنتفعين في المساهمة وجمع التبرّعات لتأمين نفقاته مقابل الحصول على بعض الامتيازات حال وصوله إلى القلعة.

شعر محمد علي أن مخططه الذي أعدّه منذ خروج الحملة الفرنسية من مصر في خطر.

وما إن وصل الألفي إلى القاهرة حتى نصب محمد علي فخاً لأنصاره وأجبرهم على التفرّق، وشعر الألفي بالضعف فقرّر أن ينجو بحياته ويهرب إلى مصر العليا ويتمركز في المنيا، قبل أن يأسره محمد علي.

وأعاد ابن كفالا النظر من حوله: الدولة العثمانية كانت في حالة مزرية، والسلطان سليم الثالث غارق في الصراعات التي بدأت أول مرة في عهد السلطان بايزيد الثاني (1481هـ-1512م) حيث ثار الإنكشارية –طائفة عسكرية من المشاة العثمانيين شكلوا تنظيماً خاصاً بهم، وثكناتهم العسكرية، والشارات والرتب، والامتيازات، وكانوا أقوى فرق الجيش العثماني وأكثرها نفوذًا- .

قتلوا الصدر الأعظم –رئيس الوزراء- فرماني محمد باشا، وعزلوا السلطان بايزيد الثاني ونصبوا ابنه سليم (1513-1520م)، وتمرّدوا على السلطان سليمان القانوني (1520-1566م)، وقاموا بنهب قصر الصدر الأعظم إبراهيم باشا.

اعترضوا موكب السلطان سليم الثاني (1566-1574م)، واشترطوا عليه دفع مكافأة مالية لمواصلة موكبه إلى القصر ودفع مكرهًا، وتحدّوا السلطان مراد الثالث (1574 -1595م)، وقتلوا مسؤول أموال الإمبراطورية، وعزلوا السلطان عثمان الثاني (1618 – 1622م) وقتلوه وقتلوا الصدر الأعظم حسن باشا في عهد السلطان مراد الرابع (1622-1640م)، كما عزلوا السلطان إبراهيم الأول (1640-1648م).

وأغرق هذا الصراع الدولة العثمانية فانشغل السلاطين والوزراء بدرء هذا التهديد الداخلي، وابتعدوا وأهملوا التحديات الخارجية، ومنذ بداية عهد السلطان أحمد الثالث (1703-1730م)، حتى السلطان محمود الثاني (1785-1839م)، بحثت الدولة العثمانية لإيجاد طرق تجري فيها إصلاحات عسكرية من شأنها إضعاف الإنكشارية بهدف حلها، ولكي يحققوا ذلك أباحوا لأنفسهم الاستعانة بالعامل الخارجي واستجلاب خبراء أوروبيين وقبول مساعدات واستشارات أوروبية للقضاء على الانكشارية تماماً.

كان محمد علي يعلم تماماً أن السلطان سليم الثالث أضعف من الانكشارية، وأن كرسيه إلى زوال، ولم يعطه اهتماماً، بل كان أحيانًا يسخر منه في مراسلاته، وكانت أكبر سخرية حين أرسل له توصية بتعيين خورشيد باشا.

كان محمد علي وخورشيد باشا مهددين من قبل المماليك، ولكن ابن كفالا كان له نصيب الأسد من هذا التهديد، حيث اجتمع عليه البرديسي الذي فرّ إلى شمال الصحراء الغربية، والألفي الذي فرّ هارباً إلى الصعيد، وشكلّ كل واحد منهما حلفاً من مناصريه، وأخذ الأول يتسلل إلى مصر السفلى، يستولون على قليوب، أما الألفي فقد عسكر في المنيا وهاجم الفيوم، وشرعا في حملات على أطراف العاصمة والجيزة وسقارة وإمبابة، وركدت حركة التجارة التي كانت تمثل المورد الرئيسي للمال. وظلت الحاجة إلى المال هي العائق الأكبر أمام حكومة خورشيد باشا، وأشار ابن كافالا على خورشيد أن يُحمّل المماليك وأنصارهم تكاليف الحرب، ولم يكتفِ بذلك، بل وصل الأمر إلى تأميم أموال أرامل المماليك وأهلهم وذويهم، حتى جيرانهم، وكل من له صلة من قريب أو بعيد بأي مملوك، لدفع رواتب الجند.

لم ينزعج محمد علي من هجمات المماليك، بل كان في قرارة نفسه سعيداً حينما وجد أزمة خورشيد باشا التي سوف تطيحة من الحكم تزداد، ولم يُرِد أن يضعف جنوده في حرب مع المماليك الآن، ولكن حتى يثبت ولاءه لخورشيد ويحصل على ثقته، قام بحملات محدودة على أطراف القاهرة حتى لا يرهق الجنود الألبان.

كان أتباع محمد الألفي يتمركزون في المنيا، ولكنهم قرّروا التحرّك بالفرقاطة –حملة عسكرية-، إلى الفيوم، وما إن علم محمد علي حتى قرّر مهاجمة عاصمة مصر العليا –المنيا-، ولكنه لم يفشل في السيطرة على المدينة، وأعاد الكرة مرة أخرى ونجح في السيطرة على عاصمة المماليك، وكان ذلك بمثابة نصر كبير، يضعف وضع الألفي وأتباعه، ويرفع من قيمة محمد علي أمام خورشيد باشا.

خورشيد باشا بدأ التشكيك في نية محمد علي، خصوصاً أن لابن كفالا سابقة قريبة مع البرديسي، وأرسل إلى الباب العالي يعرض عليه تخوّفاته، واستشعر السلطان سليم الثالث الخطر من محمد علي وجنوده الألبان، وأرسل خطاباً إلى محمد علي يطلب فيه أن يترك مصر مستخدماً لغة دبلوماسية عالية، وجاء نص الخطاب:

«سوف تعلمون حسب الوقائع أن فرنسا بفرض سيطرتها على مصر، جعلت الباب العالي يبذل تضحيات كبيرة من المال والرجال لاستعادتها، ومنذ ذلك الحين يعمل رجال سيئو النية من بينكم على إعادة النيل تحت سيطرة المماليك. والباب العالي لا يحمّلكم جميعاً مسؤولية هذا الخطأ، مهما يكن الأمر، فما مضى قد مضى، وجاء التسامح ليحمي المخالفات، ولهذا فإن الباب العالي يدعوكم إلى الرحيل عن مصر والعودة برفقة جنودكم الألبان الشجعان.. هل يمكن أن ترفضوا الالتحاق بأسركم التي تشرّع أحضانها لاستقبالكم، ولا يشك الباب العالي مطلقًا بأنكم ستسارعون إلى الاستجابة لتدابيره الطيبة الشريفة، وتنفيذ أوامره بالطاعة التي يستحقها».

ولكن ستبقى أمنيات الباب العالي حبراً على ورق.



لا تنسى تقييم الموضوع

القسم : غرائب وطرائف

المصدر : ßÓÑÉ

قد يعجبك أيضاً

اضف تعليق

فكرة الموقع : "كله لك" هو شراكة بيننا و بينكم ..دورنا : انتقاء أفضل الموضوعات المنشورة و المتداولة علي المواقع ... دوركم : تقييم المحتوي للتأكيد علي أهميته أو إرشادنا لحذفه

لمعرفة المزيد عن الموقع اضغط هنا