المحتوى الرئيسى

في برلين لا تأكل فئران السماء وأشياء أخرى

ليست رحلتي الأولى إلى المدينة الصاخبة ليلاً، النشيطة صباحاً «برلين»، لكن في كل مرة ترى تلك المدينة تكتشف فيها الجديد.. الحياة البرلينية كما يراها أصحابها حياة متنوعة ومفتوحة على ثقافات كثيرة، المسموح فيها بالاختلاف والتنوع والجنون أحياناً.. عليك أن ترى المدينة ليلاً حتى تدرك أنها تتحوّل إلى وحش احتفالات كاسر، خاصة في إجازة نهاية الأسبوع.

مع كل الأنوار التي تحيط بسياج من البهجة وسط المدينة والأحياء المليئة بالطلبة والشباب الذين تتميّز بهم برلين، إلا أن هناك أشياء غريبة تعدّ من المحظورات، والمحظورات هنا لا تكون فقط محظورة «قانوناً» ولكنها قد تكون محظورة اجتماعياً، ويعدّ فاعلها من مرتكبي الجرائم الكبرى.

OLYMPUS DIGITAL CAMERA

لا تأكل .. فئران السماء

مثلها مثل العواصم والمدن الأوروبية، تتباهى أرض ميادينها الكبرى بالحمام الذي يطير حولها ويحطّ على الأرض ليجذب السياح ليطعموه.. الحمام في بلداننا العربية وجبة شهية وعزومة مفتخرة إذا أردت أن تتباهى أمام الأصدقاء بمدى (شطارة) القائم على العزومة، ويعدّ من أكلات (أصحاب المزاج) في الأكل.. أما في بلدانهم فهي رمز للسلام والمحبة.

في برلين.. وغالباً في معظم المدن الألمانية وأخرى أوروبية كباريس، أكل الحمام ممنوع مجتمعياً، فلا قانون يعاقب عليه، ولكن القانون يمنع الذبح دون الأماكن المخصصة البعيدة عن المدينة.. في نظرة رومانسية إلى الأمر تصوّرت أنهم لا يحبون ذبح وأكل رمز السلام، ولكن اكتشفت أنهم يعتبرون الحمام طائراً مقزّزاً ومقرفاً أن يصبح طعاماً.

تُسمى الحمام والعصافير الصغيرة أحياناً «فئران السماء»، ويرجع رفضهم اعتبار الحمام صالحاً للأكل، إلى أن الطائر يتربى في الشارع ويأكل من الطرقات فضلات الطعام.. وعلى الرغم من أن برلين مدينة خضراء تتميّز بوجود أشجار كثيرة وعلى أطرافها بعض الغابات الخضراء ومصادر لمياه عذبة، إلا أن الحمام تُختصر دورة حياته في وجوده قرب الطرقات وورؤيته في الشارع فقط.

لذا إذا ذهبت إلى برلين المليئة بالمحال العربية، لا تفكر في أنك تستطيع طلب «الحمام المشوي».

في المترو.. الكلب أهم من الجوع

المترو جزء لا يتجزّأ من الحياة اليومية في برلين، وبما أن المدينة الكبيرة تحيط بها وتغزوها خطوط المترو المتشعبة في كل مكان، فإنك تقضي وقتاً لا بأس به في الانتقال داخلها، بالطبع إذا كنت نشيطاً وتودّ أن تتنقل في كل العاصمة، ربما تجوع في الطريق، إذا فكّرت أن تأكل في المترو راجع نفسك مرتين.. لأنك بالتأكيد لا تحب أن تدفع غرامة.

في المترو تستطيع أن تدفع تذكرة لدراجتك وتأخذها معك، وتستطيع أن تركب مع «كلبك» وتمتعه برحلة طويلة أو قصيرة، لكن مالا تستطيع فعله هو الأكل داخل عربات المترو، لكن اطمئن – قليلاً-، تلك القاعدة أيضاً لم تعجب الشباب البرليني المتحرر كثيراً، وهي إحدى المرات النادرة التي رأيت فيها أناساً يخالفون القانون ويغلبهم الجوع، ويبادرون بالأكل داخل عربات المترو.

فبالتأكيد يمكنك اصطحاب «الكلب» والساندوتش، فكلاهما يمكنه أن ينبح وينغّص حياتك.

2 (2)

لا تكن «شيكي ميكي»

كأي مجتمع ينقسم إلى طبقات، وعلى الرغم من أن الهوة بين الطبقة المتوسطة والطبقة التي تعدّ فقيرة في برلين – ليست معدمة – ليست كبيرة، إلا أن الشباب لا يفضّلون المبالغة في الرفاهية.

معظم المقيمين في برلين من الشباب الذين يدرسون أو يعملون أو يبدؤون حياتهم، وكبار السن يحبّون المغادرة في سن معينة إلى مدن أكثر هدوءاً، تلك ليست قاعدة، ولكن هذا ما يحدث بشكل مستمر.. لذا فإن هؤلاء الطلاب الذين يبدؤون حياتهم لا يملكون الكثير من المال، فإذا أردت أن تذهب إلى مكان بسيط لتأكل أو تشرب، احذر من أن يُطلق عليك لقب «شيكي ميكي»  فهو يعني فاره أو أنيق بشكل مبالغ فيه.

لا تفكر في أن ترتدي ملابس «سينيه» أو تتأنق وكأنك ذاهب إلى حفل في الأوبرا، ولا تستهن بالأمر، فقد يمنعك هذا من قضاء ليلة ممتعة في المدينة، لأنهم قد يرفضون دخولك إلى المطاعم أو الملاهي الليلية فقط بسبب ما ترتدي.

ولا تفكر في أن هذا عنصرية، لأن القانون يمنحهم هذا الحق، فقط تعلّم أن تكون بسيطاً وألّا تصبح «شيكي ميكي».

في الساونا.. كأنك في Fkk

لو كنت من محبي الساونا، فيجب عليك أن تترك الخجل في صالة مغادرة مطار بلدك، فكما لكل شيء قواعد، فإن للساونا أيضاً في أوروبا قواعدها، وبرلين لا تحيد عنها.

ببساطة لا يمكنك أن ترتدي أي شيء، شيء صغير ممنوع، شيء شفاف حتى، ممنوع.. لذا إما أن تنتظر حين العودة إلى بلدك لتدخل إلى الساونا أو تغامر بخجلك وتعطيه إجازة.

ليست تلك القاعدة الوحيدة، فالساونا أيضاً مختلطة، إنه شيء عادي.. فحينما تعرف أن برلين كغيرها من المدن الأوروبية لديها مناطق تعرف بـ«مناطق التعري» FKK، والتي مسموح فيها التعري بشكل كامل، سواء على الشاطئ أو غيره، فاعتبر أن الساونا شاطئ من هؤلاء، واستمتع أو تمتع بخجلك ولا تقترب، فلا تنازل عن تلك الشروط.

لا مهرب.. أنت مراقب

البرلينيون يصبحون ساخطين حينما يرون تلك العلامة، العين الصفراء التي تظهر في المترو، وأحياناً في الشوارع.

في المجتمعات العربية يعتبرون أن البلدان الأوروبية هي بلاد الحريات المطلقة، إلا أن المراقبة عبر الكاميرات تكسر تلك الصورة النمطية، فهي بأمر القانون، حتى لو أزعجت بعض المقيمين في المدينة وخرجوا في مظاهرات ضدها، إلا أن الحكومة تعتبرها إحدى وسائل الأمان التي لا غنى عنها.

الطريف أيضاً، أن القانون لا يجيز التسجيل إلا بعد وضع تنبيه يقول إنه يتم التسجيل لك ويتم تعويضه برسم للعين على بطاقة صفراء في المترو والأماكن العامة.

فأيّاً كان ما تفعله، مسموح أو ممنوع هو مسجّل، فلا تحاول «الفهلوة» إذا وقعت في إحدى المشكلات.

5

صوتك قد يصبح جريمة

كلاكس السيارة، الصوت العالي، حتى صوت طفلك الصغير، يعدّ جريمة إذا تخطى الحدّ المسموح ووصل إلى أحد جيرانك الناقمين على هذا الصوت، وبما أن الأمر نسبي، فإن من يقرّر هم الشرطة.

طبقاً لتقرير نشرته BBC  عام 2010، فإن برلين هي الأولى على الولايات الألمانية، لاعتبار صوت الأطفال المرتفع «ليس ملوثاً صوتياً»، فيما عدا أوقات الليل، فإنه مسموح للأطفال بأن يكونوا صاخبين.

أجراس الكنائس وصفارات الإنذار في حالات الطوارئ، هي المسموح بها فقط أيام الأحد، حتى إن غالبية المحال التجارية تغلق أبوابها يوم الأحد أو يتعين عليها دفع ضرائب باهظة لتستقبل زبائنها في هذا اليوم.. غير ذلك يعدّ تلوثاً يعاقب عليه القانون.

بعد كل تلك المحظورات..

أحد المسموحات.. هدايا السماء

كنت أتمشى خلال فترة الظهيرة في حي النويكولن المليء بالسكان المختلفين من حيث الاتجاه أو البلدان الأصلية، أستمتع بالشمس الأخيرة قبل أن يهدر الخريف ما تبقى من كرامة أوراق الأشجار، وأستمع إلى الهدوء يوم الأحد المقفهر في العاصمة الصاخبة.

وجدت تلفزيوناً ضخماً على الرصيف، استوقفني ولكنه لم يستوقف صديقي الألماني الذي شاركني المشي، عدت أنظر ماذا كتب عليه بالألمانية، لقد كان التلفزيون هدية السماء إلى من احتاجه، مكتوب عليه «من أراده فليأخذه، التلفزيون سليم ولكن أحياناً يتعطّل ويعمل حينما تضربه ضربة خفيفة».. من عجائب برلين أيضاً.. أنها مازالت تحتفظ بطابع العطاء، فالذين يعيشون في الشوارع أو لا يملكون مالاً لشراء تلفزيون جديد، بالتأكيد سيسعدهم هذا التبرّع.

فاعلم أنك إذا أقمت في برلين، قد تهديك السماء أو كرم أهل برلين أحد تلك الهدايا القيّمة.

 

 



لا تنسى تقييم الموضوع

القسم : غرائب وطرائف

المصدر : ßÓÑÉ

قد يعجبك أيضاً

اضف تعليق

فكرة الموقع : "كله لك" هو شراكة بيننا و بينكم ..دورنا : انتقاء أفضل الموضوعات المنشورة و المتداولة علي المواقع ... دوركم : تقييم المحتوي للتأكيد علي أهميته أو إرشادنا لحذفه

لمعرفة المزيد عن الموقع اضغط هنا