المحتوى الرئيسى

محمد علي باشا يختبر حدود قُوّته 2

كانت مصر أم الدنيا كما أطلق عليها العرب تبدو في حالة مزرية، لم تنجو منها إلا بعض الآثار المهملة الملقاة في الطرقات إلى جوار القمامة، وبعض البيوت جميلة المظهر المحاطة بالخرابات.

قدّر عدد سكان مصر في هذا التوقيت بأربعة ملايين نسمة، ووصل عدد سكان القاهرة إلى 250 ألف نسمة، –عند وفاة محمد علي عام 1849، كان سكان عدد مصر نفس الرقم، وذلك بسبب وباء الكوليرا عام 1831، والذي تسبب في مقتل 180 ألف نسمة، ووباء الطاعون عام 1835، والذي أودى بحياة نصف مليون آخر، بالإضافة إلى التجنيد والسخرة-.

كان سكان القاهرة من طوائف وديانات متنوعة، وجنسيات مختلفة، الأقباط 10 آلاف، اليهود 3 آلاف، المغاربة والسوريين تراوح عددهم بين 15-20 ألف نسمه، و10 آلاف تركي، و4 آلاف كاثوليكي، وألف مسيحي ماروني، وألفي أرمني، وباقي السكان يقفون كمشاهدين أمام الأحداث.

كانت النواة الأساسية والقائمة في عموم الشعب المصري من التجار والحرفيين، والفلاحيين.. بينما يكون العلماء ورجال الفقة والقانون منشغلين بالتعليم والدروس في المساجد، لا يتلقون أجورًا نظير عملهم، ولكن يتلقون دعماً آخر من المؤسسات الدينية كالأوقاف، كالمعاشات والمكافآت والرواتب، بالإضافة إلى الإعفاء الضريبي.

كانوا يتوسطون دائماً بين الوالي والعامة من الناس، بحكم وظائفهم القضائية والجامعية، وكانت العامة تلجأ إليهم دوماً.

كان بعضهم فاحش الثراء مثل الشيخ السادات، والذي قدّرت ثروته بحوالي 450 ألف بارة –العملة المصرية في ذلك التوقيت-.

كان من أهم شيوخ الأزهر الشيخ الشرقاوي، الذي انتخب من قبل المشايخة وبموافقة إلزامية، والمحروقي نقيب تجار مصر، أحد كبار التجار في البحر الأحمر، والسادات، وخليل البكري، وعمر مكرم نقيب الأشراف.

وقد نجح محمد علي في الحصول على محبة عموم الناس، وثقة العلماء ورجال الفقة والقانون، ودافع عنهم أمام البرديسي عندما حاول الأخير تعليق مسؤولية أحداث الانقلاب عليهم.

وقف بحزم وشدة وأعلن أن مسؤولية الحكومة توفير رواتب الجند، وليس العلماء، وكانت إشارة غير مباشرة بأن محمد علي هو الرجل الذي لا يخشى مواجهة المماليك.

قال الجبرتي عن هذه المجموعة من العلماء «مشكوك في أمرها»، رغم قدرتهم الحقيقية على تحريك جموع التجار والمأجوريين والباعة والفلاحين من الطبقات الدنيا.

وعلى الرغم من نجاح الألباني محمد علي في اكتساب حب العامة، إلا أنه في حاجة ماسة للتأكد من قوة ثقة العلماء فيه هو وجنده.

ومع الانقلاب الذي أطاح بالبرديسي إلى الصحراء فاراً بحياته، لم يغامر محمد علي بفرصته لتسلم السلطة، وقرّر أن يختبر حدود قوته للمرة الأخيرة، وأرسل خطاباً إلى السلطان سليم الثالث الباب العالي في الآسيتانة، متهكماً عليه في قرارة نفسه، يشير فيه إلى تعيين خورشيد باشا حاكم الإسكندرية، والذي عُيّن بالفعل في مارس 1805 باشا لباشوية القاهرة، وهو يعلم تماماً أنه رجل بلا تصورات.

يسارع محمد علي وجنوده الألبان إلى استقبال خورشيد باشا في بولاق عندما رست مركبه الشراعية، واستقبله بتحية المدفعية، والموسيقى المباركة، وبعد عشرين يوماً من استقباله، يصل فرمان من الباب العالي، وقد ذكر الجبرتي في كتابه نص الفرمان:

«تسلم الحكومة في مصر إلى أحمد خورشيد باشا، وقد اهتدينا في اختيارنا هذا إلى ما نعرفه عنه من أهلية للتصرف، ومن استقامة وذكاء وحكمة إدارته».

تجاهل محمد علي –ابن كفالا-، الفرمان وكأنه لم يكن، لأنه كان متأكداً من أن شرعية خورشيد باشا شرعية صورية، ويعلم جيداً أنه الحاكم الوحيد على السلطة العسكرية، وكلمته مسموعة عند المصريين، ولكن يظل كلاهما معرضاً لخطر المماليك، لأن بريطانيا كانت تعد محمد الألفي باشا لباشوية القاهرة بعد أن سافر إلى إنجلترا عام 1803، وصار مدلل كل لندن، وفتح له الاستقبال الرسمي في البلاط وصالونات المجتمع الأرستقراطي، وفور أن علم الألفي بك بالانقلاب على البرديسي عاد إلى القاهرة بصورة اللورد محمد بك الألفي المنافس الجديد لمحمد علي؛ في سباق الوصول إلى القلعة مقر الحكم.

يتبع…

تابع الجزء الأول من السلسلة على الرابط التالي:

كيف دخل محمد علي باشا قلوب المصريين؟



لا تنسى تقييم الموضوع

القسم : غرائب وطرائف

المصدر : ßÓÑÉ

قد يعجبك أيضاً

اضف تعليق

فكرة الموقع : "كله لك" هو شراكة بيننا و بينكم ..دورنا : انتقاء أفضل الموضوعات المنشورة و المتداولة علي المواقع ... دوركم : تقييم المحتوي للتأكيد علي أهميته أو إرشادنا لحذفه

لمعرفة المزيد عن الموقع اضغط هنا