المحتوى الرئيسى

عن الغول صديق الطفولة وأشياء أخرى

يأتي شادي إلى أمه وفي يده قصة، يشير لها إلى صورة للشمس على شكل وجه إنسان يبتسم، يسألها ابن الست سنوات: “ليه الشمس بتضحك؟”، تجيبه أمه: “لما نقرأ القصة هنعرف”، يأتي جوابها غير مرضي، فيعيد عليها السؤال بشكل آخر: “الشمس مش إنسان علشان تضحك أو تبكي”، تتسمر أمه في مكانها كمن صدمها تيار كهربائي للحظة، ثم تخبره: “ما هي القصة دي معمولة للأطفال والقصص بيكون فيها خيال، يعني مش كل الحاجات لازم تكون حقيقية، يلوي شفتيه بامتعاض ويقول: “يعني عشان أطفال بيضحكوا علينا؟”، تقف أمه في ذهول لا تنقذها أفكار تنزل إليها من السماء ولا الأرض تريد أن تنشق لتبتلعها.

شادي يعيد إلى ذهني مشهداً من مشاهد فيلم غزل البنات للفنان نجيب الريحاني في دور أستاذ حمام؛ حين سألته تلميذة مستفسرة عن حديث الأسد للذئب قائلة: “لكن يا أفندي هو الأسد بيتكلم؟”، فأجاب: “مبيتكلمش لكن وزارة المعارف عايزاه يتكلم”.

يا شادي لا أعرف لماذا يخبرونك أن الشمس تبتسم، ولماذا يخالفون المنطق ويعكرون سنيّك الأولى بالأسئلة الوجودية التي ستجد طريقها إليك عن أشياء أكثر أهمية من معضلة هل الشمس تبتسم أم لا!

الشمس لا تضحك يا صغيري ولا تبكي، نحن فقط من يفعل ذلك، الشمس فقط تأتي كل يوم إلى من يعتبر قدومها احتفالاً بيوم جديد وبداية جديدة، وإلى من لا يلاحظ وجودها من عدمه أيضاً.

ولا تبالغ يا صغيري في تعاطفك مع جيري ضد توم، لأنك ستحضر موت جيري ربما أكثر من مرة في بيتك على يد أحد والديك، لأن جيري مجرد فأر ونحن نكره الفئران ولا نرحب بزيارتها لبيوتنا، واحزن بالقدر المعقول على موت والد سمبا لأن الموت يزور الجميع والحياة تمضي يا صغيري رغم كل شيء.

من حسن حظك يا شادي أنك لا تعرف شيئاً عن الغول الذي كان ينتظر تحت الجسر ليأكل كل من يمر فوقه، وعن العنزتين والتيس الذين قرروا يوماً أن يمروا فوق الجسر، تمر العنزة الأولى وحين يهددها الغول بأكلها تخبره أن يتركها ويأكل أختها التالية الأسمن منها، فيقتنع الغول ويصبر وتتكرر القصة نفسها مع العنزة الثانية ويصبر الغول أيضاً، ليأتي التيس بقرونه وينقض على الغول ويقتله، وتنتهي القصة بأن يعيش الناس سعداء من دون وجود الغول الشرير، لقد أكَلَت الأسئلة رأسي يا صغيري، لماذا العنزة الأولى والثانية كانتا بكل هذه النذالة؟! ولماذا كان الغول بكل هذا الغباء والضعف؟! اختلفت الحكايات يا شادي وظل الغول وزوجته أمنا الغولة عاملاً مشتركاً في أغلب الحكايات، أصدقاء طفولتنا ورمز الشر المطلق الذي دائماً يُهزم بسذاجة، أهالينا الكرام كانوا يستعينون بالغول وقتما يشاؤون، يسخرونه في خدمتهم، يحضرون روحه في الغرفة لنغمض أعيننا خوفاً من رؤيته إذا لم ننفذ الأمر العسكري بالنوم في التو واللحظة.

نحن معشر الكبار يا صغيري حين نكون عديمي الحيلة ومثيرين للشفقة، تكون وسيلتنا الوحيدة في السيطرة تخويف الصغار وتهديدهم، تهديدات بالضرب إن لم تذاكر دروسك، وتهديدات بالذبح إذا لم تأكل، وتهديدات بأنك ستكون السبب في موتنا ناقصي عمر إذا لم تسمع الكلام، تهديدات بالحبس في غرفة مظلمة إذا لم تنم في الوقت المحدد، وفي الغرفة المظلمة سترعبك العفاريت، ونحن نخاف العفاريت لسبب غير معلوم، على الرغم من أننا لم نسمع يوماً أن عفريتاً أذى إنساناً، أن عفريتاً أهان أو ضرب أو قتل إنساناً، لكنهم قالوا لنا أن العفاريت والغول والغولة سيفعلون بنا الأفاعيل فخفنا.

هل تعرف سندريلا يا شادي! ربما لا! لأنك صبي، ولكن نحن الصبايا نعرفها جيداً، سأحكي لك عن سندريلا لكن بطريقة مختلفة؛ هي فتاة جميلة تموت والدتها ويتزوج والدها امرأة أخرى، وبالطبع شريرة، هكذا أخبرونا دائماً أن زوجة الأب لابد أن تكون شريرة فصدقنا، فالكبار لا يكذبون، زوجة الأب لديها فتاتان، هذه المرأة تقهر سندريلا وتسقيها كل ألوان العذاب، حتى يأتي يوم الخلاص حين يقيم أمير بلدتها حفلاً ليختار خلاله زوجة له، تذهب سندريلا الحفل بفستان بديع أعطته لها الساحرة الطيبة بلمسة عصا، وتحذير أن تعود قبل أن تدق الساعة الثانية عشرة، يراها الأمير ويعجب بها، لكن قبل أن تدق الساعة الوقت المحدد؛ تسرع سندريلا وتترك من دون قصد فردة حذاء، يصل لها الأمير عن طريقها، هذا باعتبار أن مقاس قدم سندريلا معجزة لا يتشابه أبداً مع أخريات.

تتزوج سندريلا الأمير وتعيش معه في سعادة، لا تنتهي هنا الحدوتة الملتوتة يا صغيري، لأن سندريلا لا تستحق السعادة، الفتاة الضعيفة التي ترضى بالقهر وتنتظر الأمير ليخلصها، ماذا فعلت لتهديها الحياة نصيباً من السعادة، وإذا أخذت كل سندريلا نصيباً من السعادة فماذا يتبقى لمن حاربن القهر ولم يذهبن لعرض أنفسهن على الأمير في الحفل الكبير، اللّاتي لم ينتظرن المخلص وخلصن أنفسهن بأنفسهن!

يا صغيري، الغول لا يتنظرك خارج الغرفة إن لم تنم، والعفاريت غير مؤذية، وحين تكبر لا تكن الأمير ولا تتزوج سندريلا.



لا تنسى تقييم الموضوع

القسم : الاسره والصحة

المصدر : ßÓÑÉ

قد يعجبك أيضاً

اضف تعليق

فكرة الموقع : "كله لك" هو شراكة بيننا و بينكم ..دورنا : انتقاء أفضل الموضوعات المنشورة و المتداولة علي المواقع ... دوركم : تقييم المحتوي للتأكيد علي أهميته أو إرشادنا لحذفه

لمعرفة المزيد عن الموقع اضغط هنا