المحتوى الرئيسى

لماذا هم أسعد

لم أكن أحب الأطفال في الماضي غير البعيد، قبل مجيء طفلتي للعالم بدأت ألاحظهم، وأنظر لهم بتركيز أكبر، وأحببتهم. مختلفون، نعم جداً، هم أسعد بكثير، سلام داخلي حقيقي، تفاؤل وطاقة، يعرفون دائماً كيف يصلون لما يريدون، بل لأكون أكثر دقة، يعرفون بالضبط ماذا يريدون ويسعون إلى نيله. عفويون، يفعلون ما يشعرون به ويقولون ما يريدون من دون رقابة، غير مكترثين بالصواب والخطأ ولا بما سيقوله الناس عنهم. كلما تقدمنا في السن نتحول إلى كائنات معقدة، مشغولون جداً بـ الذي يجب ولا يصح أن يقال، نكون بشخصية معينة مع مجموعة من البشر وشخصية مختلفة تماماً مع مجموعة أخرى، لا يفعل الأطفال ذلك. في رأيي أن الأطفال أكثر قدرة على التواصل مع الآخرين، ينظرون بشكل مباشر في عين من أمامهم لو لفت انتباههم، ويستطيعون التواصل وإيصال ما يشعرون به ويرغبون في قوله حتى من دون كلمات، فقط بالنظر. في حال فقدوا اهتمامهم بك، يديرون وجوههم بحثاً عن شيء آخر مثير للاهتمام، وذلك ليس لسبب أبعد من أنهم يعرفون جيداً كيف يقيمون من أمامهم، وبناءً عليه يقررون منحهم الاهتمام أو تركهم. هل نملك نحن الكبار قدرات مشابهة؟ هل نستطيع دائماً النظر في عين محدثنا والتواصل من دون عراقيل؟ هل نقدر على تقييم الأشخاص لنعرف هل حقاً يستحقون اهتمامنا؟ ولو أدركنا أنهم لا يستحقون هل لدينا القدرة على اتخاذ قرار البعد عنهم؟ يطلب الأطفال ما يريدون في ذات اللحظة التي يدركون فيها أنهم يريدون، قد لا نفهمهم ولكن هم يعرفون ما يريدون ولن يستسلموا حتى يتمكنوا من جعلك تفهم ما يريدون وتحققه. هل لدينا القدرة دائماً على طلب ما نريد بمجرد إدراكنا أننا نريده، أم أننا نتمنى أن يكتشف الناس بمفردهم ما نريده منهم وننتظر أن يفعلوه ونحزن جداً عندما لا يفهمون رغباتنا! عندما نرغب في شيء ما ونفشل، هل نستسلم أم نستمر في السعي خلف ما نريد ما دمنا نعرف أنها سوف تسعدنا؟ لا يخجل الأطفال من التعبير عن مشاعرهم وإظهار أحاسيسهم بالحب والتقدير للآخرين، وهذا يجعلنا نرغب في فعل كل ما في مقدورنا لإسعادهم أكثر. حين يطلب الطفل شيئاً منك وتحقق رغبته يظهر لك فرحته وامتنانه مهما كان الشيء بسيطاً، وقد يمنحك حضناً دافئاً وقبلة تقديراً لك على إسعاده. لماذا نبخل بإظهار تقديرنا للآخرين وفرحتنا بما يفعلونه لنا، هل نعتقد أن مشاعر الامتنان ضعف نخجل منه؟ نكتفي بالشكر والابتسام أو بكيف نرد الجميل ولكننا لا نظهر شعورنا السعيد الحقيقي كما شعرنا به في أغلب الأحيان. لا يفكر الأطفال كثيراً في تبعات المواقف، لا يحللون: "لو كنت فعلت كذا لحدث كذا"، هم ببساطة يعرفون ما يسعدهم ويفعلونه ببساطة! ليتنا نعرف كيف نعيش اللحظة الحالية، من دون تحليل واستنتاج واستنباط أفعال الآخرين وكلامهم وتحميل أشياء كثيرة أكبر مما تحتمل، ليتنا نمارس السعادة بفعل ما نعتقد أنه يسعدنا مادام لا يؤذي أحداً. الأطفال واضحون وصادقون، لأنهم غير مهتمين بشكلهم أمام الناس ولا كلام الناس ولا كيف سيفكر الناس فيهم، الأطفال أقوى، لا ينتظرون شيئاً من أحد، عندما يرغبون في شيء يبادرون بمحاولة تحقيقه. غير محملين بالضغائن ولا الأحقاد ولا الكره، عندما يزعجهم أحد في لحظة يقولون ويرفضون ويعبرون ويصرخون ثم سرعان ما ينسون بعدها بقليل، لو تداركت الموقف باعتذار أو بفعل شيء يسعدهم، ينتهي الموقف بمجرد بذل قليل من المجهود لمحو أثره، ليس لأنهم يستوعبون فكرة التسامح بل لأنهم أصلاً لا يستوعبون فكرة العقاب. لا يعيشون محملين بجبال من المشاعر الرديئة التي تؤذي حاملها أكثر من أي شخص آخر. في الطريق نتجاهل الحضور في اللحظة، فننسى أن نعيش.


لا تنسى تقييم الموضوع

القسم : الاسره والصحة

المصدر : ßÓÑÉ

قد يعجبك أيضاً

اضف تعليق

فكرة الموقع : "كله لك" هو شراكة بيننا و بينكم ..دورنا : انتقاء أفضل الموضوعات المنشورة و المتداولة علي المواقع ... دوركم : تقييم المحتوي للتأكيد علي أهميته أو إرشادنا لحذفه

لمعرفة المزيد عن الموقع اضغط هنا