المحتوى الرئيسى

حكاية الملاية اللف وكيف اختفت من مصر

يتميز كل شعب بزي قومي مرتبط بجغرافية المكان وطبيعته البيئية وبالتأكيد ثقافته. وفي مصر كانت السيدات في عصر ما قبل يوليو 1952؛ يرتدين ما يطلق عليه الملاية اللف، وهي قطعة من القماش الأسود تلف حول الجسد بشكل محبوك؛ يظهر التفاصيل الجميلة لجسد المرأة، وكان يضيق خاصة عند منطقة الخصر، رأيناها كثيراً في الأفلام الأسود والأبيض والألوان، ترتديها بأناقة وجمال بليغ تحية كاريوكا وشادية ونادية لطفي وغيرهن؛ مما أدى إلى ارتباط الملاية اللف بالنساء الجذابات الـSexy كما نقول، وليس الفقيرات وحسب.

وبالتأكيد لم تختفي الملاية اللف بين يوم وليلة؛ فقد ظلت الكثيرات من المصريات في المناطق الشعبية والفقيرة يرتدينها حتى منتصف التسعينيات.

الصورة من موقع القباس

الصورة من موقع القباس

وقد كان جزءاً من الزي أيضاً ما يسمى بالبرقع والقصبة الذهبية الطويلة على الأنف، والبرقع بالفعل هو زي أكثر منه أي شيء آخر، حيث كان من القماش المخرم تماماً، والملامح من ورائه واضحة تماماً على عكس النقاب.

الصورة من موقع مملكة، وهي لوحة من لوحات الفنان محمود سعيد

الصورة من موقع مملكة، وهي لوحة من لوحات الفنان محمود سعيد

لكن متى كانت الشرارة الأولى لظهور الملابس الافرنجية في مصر بكثافة؟!

كان ذلك عام 1919 عندما خلعت هدى شعراوي البرقع في ميدان التحرير إبان الثورة، وكانت رمزاً لتحرر المصريات، فظهرت بعد ذلك الملابس الافرنجية بالتدريج وبكثافة، ومع الحقبة الناصرية، وما تمثله تجربتها من تحديث للمجتمع ومحاولات تمكين وتعليم للمرأة؛ طغى الزي الافرنجي أكثر فأكثر حتى استولى تماماً على الطبقة المتوسطة الناشئة حينها، واختفت من أوساطهم تقريباً وبشكل تام الملاية اللف، لكنه بقي كما قلنا في الطبقات الأفقر وحتى طبقة الـLower middle أي الشريحة الأفقر من الطبقة المتوسطة، وعكست ذلك أفلام حقبتي الخمسينيات والستينيات.

الصورة من موقع أيام القاهرة القديمة

الصورة من موقع أيام القاهرة القديمة

وفي عصر السادات وبالخصوص منذ عام 1975 بدأ تواجد المصريين بشكل واضح وكثيف للعمل في دول الخليج العربي، هذا التواجد خلق تأثيراً وتأثراً ثقافياً وفكرياً وسلوكياً واجتماعياً واقتصادياً؛ انعكس بدوره على الزي، وخاصة زي المرأة المصرية؛ فحلت العباءة الخليجة بالتدريج مكان الملاية اللف؛ خاصة في مدينتي القاهرة والإسكندرية، وبالتأكيد في الدلتا والصعيد، ولكن بشكل أقل؛ فلا يزال حتى يومنا هذا للجلابية الفلاحي وللجلابية الصعيدي وجود واضح؛ يوصف بأن له الغلبة.

نعود للحديث عن الملاية اللف، التي كانت تلف كما رأينا بالصور حول الخصر، ثم يرفع طرف منها فوق الرأس بإحكام حتى لا تقع، وكانت الملاية السوداء ذات القماش المطاط واللميع خاصة بالشابات، أما السيدات فكانت لونها أسود منطفئاً ومصنوعة من القطن الخفيف، ولهذا كانت تلف بإحكام حول الرأس؛ حيث إن القماش في الحالتين هو قماش أملس ينزلق بسهولة من على الرأس، ومن هنا نفهم جملة «أفرشلك الملاية»، ودلالتها المرتبطة بالقدرة على العراك والانتصار، لكنه عراك فقط بالألفاظ، ومن بعيد لبعيد دون لمس.

ومن الاكسسوار الملاصق للملاية اللف كان الخلخال والكعب العالي، ومن هنا يتأكد لنا أن الملاية كانت جزءاً من الاهتمام بالأنوثة وليس تغطيتها خلف طبقات من القماش مثلما يحدث الآن، ولذلك فإن ما حدث في السنوات الأخيرة بين خلع هدى شعراوي للبرقع وارتداء المصريات للنقاب هو ردة واضحة في مفهوم الأنوثة تأثراً بعوامل خارجية، وعلينا أن نلتفت لنقطة مهمة؛ أن ارتداء العباءة السوداء في أيامنا هذه هو ميل بسبب الضغوط الاقتصادية أكثر منه تديناً أو شيئاً من هذا القبيل؛ فما زالت العباءة ضيقة، وفوقها الإيشارب بديلاً لتلفيعة الملاية اللف.

من مدونة أرابيسك

من مدونة أرابيسك

صارت الملاية اللف جزءاً من التعبير الفني المصري؛ تؤلف له المقطوعات الموسيقية وتصمم حوله الرقصات من راقصات غير مصريات حتى مثل هذه الراقصة الماليزية:

ومثل ما قام به الموسيقار المصري علي إسماعيل ومحمد عبد الفتاح في هاتين المقطوعتين:

الملاية اللف جزء من الفولكلور المصري والذاكرة الثقافية المصورة بكاميرا السينما أو ألوان الزيت؛ قد يمر عليها وفوقها أزياء وأزياء، لكنها زائلة لا محالة؛ لن تحتفي بها لوحة، أو shot سينمائي واحد؛ فالبلدي يوكل أو يأكل :-)



لا تنسى تقييم الموضوع

القسم : غرائب وطرائف

المصدر : ßÓÑÉ

قد يعجبك أيضاً

اضف تعليق

فكرة الموقع : "كله لك" هو شراكة بيننا و بينكم ..دورنا : انتقاء أفضل الموضوعات المنشورة و المتداولة علي المواقع ... دوركم : تقييم المحتوي للتأكيد علي أهميته أو إرشادنا لحذفه

لمعرفة المزيد عن الموقع اضغط هنا