المحتوى الرئيسى

كيف تطورت الخطوبة خلال 1400 عام

هل تتزوجيني؟

ممكن أطلب يد ابنتك يا عمي؟

عبارات قصيرة ينطقها طالب الخطبة لولي أمر من يريد خطبتها، أو لها شخصياً، إلا أن هذه العبارة اختلفت باختلاف الدرجة الحضارية والطبقة الاجتماعية التي يكون عليها المتقدمون للزواج على مر الزمن.

فالعبارة التي كانت عليها خطبة النكاح في عهد الجاهلية..غير تلك التي جاءت في صدر الإسلام، وغيرها في العصر الأموي أو العصر العباسي.. وحتى عصرنا هذا.

على أن الإيجاز في خطب الزواج كان هوالمطلوب في معظم الأحوال، حيث قال الأصمعي: «كانت رجالات قريش من العرب تستحب من الخاطب الإطالة ومن المخطوب إليه الإيجاز».

(1) وجاء في خطبة أبي طالب عم رسول الله ? في تزوجيه خديجة بنت خويلد: «الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وجعل لنا بلداً حراماً وبيتاً محجوباً وجعلنا الحكام على الناس ثم إن محمداً بن عبد الله بن أخي من لايوزن به فتى من قريش ولا رجح عليه براً وفضلاً وكرماً وعقلاً ومجداً ونبلاً وإن كان في المال قل فالمال زائل وعارية مسترجعة، وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك وما أصبتم من الصداق فعلي».

ثم وقف ورقة بن نوفل يرد على أبي طالب عم رسول الله ? وكان ورقة ينطق بلسان عمر بن أسد عم خديجة فقال: «الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت وفضلنا على ما عددت، فنحن سادة العرب وقادتها وأنتم أهل ذلك كله، لا ينكر العرب فضلكم ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم. فاشهدوا علي معاشر قريش أني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله».

(2)

وكانت خطبة نكاح السيدة فاطمة بنت الرسول ? على علي كرم الله وجه حيث دعا رسول الله ? جماعة من المهاجرين والأنصار لحضور مجلس العقد فلما مثلوا عنده أجرى ? خطبة النكاح وهذا نصها: «الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه وسطواته، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم، إن الله تبارك اسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة سبباً لاحقاً وأمراً مفترضاً أوشج به الأرحام وألزمها الأنام، فقال عزّ من قائل: ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً ) وأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب ( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) ثم إن الله عز وجل أمرني أن أزوج فاطمة من علي، وأشهدكم أني زوجت فاطمة من علي على أربعمائة مثقال فضة إن رضي بذلك على السنة القائمة والفريضة الواجبة، فجمع الله شملهما، وبارك لهما، وأطاب نسلهما وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة، وأمن الأمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم».

ولم يكن الإمام حاضراً مجلس العقد، وإنما كان في حاجة لرسول الله ? وحينما انتهت خطبة العقد دخل علي على النبي (ص) فلما رآه تبسم وقال له: «يا علي، إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة، وإني قد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة» فقال أمير المؤمنين: رضيت، وخرّ ساجداً لله شاكراً له، ولما رفع رأسه من السجود قال الرسول ?: « بارك الله لكما وعليكما وأسعد جدكما وأخرج منكما الكثير الطيب».

 

(3)

في العصر الأموي، نتبين قصر الخطبة وقوتها حين خطب محمد بن الوليد بن عتبة إلى عمر بن عبد العزيز أخته فقال: «الحمد لله ذي العزة والكبرياء وصلى الله على محمد خاتم الأنبياء، أما بعد، فقد حسن ظن من أودعك حرمته واختارك ولم يختره عليك وقد زوجناك على ما في كتاب الله: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان».

ومن المفكرين من يُعِد خطبة للنكاح تكون معه حيثما ألقت به المصادفات في أي حفل للزواج فلا يعضله الموقف ولا يكلفه مؤنة التفكير فيما يجب أن يقوله ومن أولئك المفكرين الحسن البصري الذي اعتاد أن يقول في خطبة النكاح بعد حمد الله والثناء عليه: «أما بعد فإن الله جمع بهذا النكاح الأرحام المتقطعة والأسباب المتفرقة وجعل ذلك في سنة من دينه ومنهاج واضح من أمره وقد خطب إليكم فلان وعليه من الله نعمة وهو يبذل من الصداق كذا فاستخيروا الله وردوا خيراً يرحمكم الله»، ويعكس حسن البصري الخطبة في العهد الأموي.

(4)

أما عن العهد العباسي، فها هي خطبة الخليفة المأمون الذي حضر (عقد نكاح) فسأله بعض من حضر أن يخطب فقال: «الحمد لله والمصطفى رسول الله وخير ما عمل به كتاب الله، قال تعالى: ( وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) ..ولم يكن في المناكحة آية منزلة ولا سنة متبعة إلا جعل الله في ذلك من تآلف البعيد وبر القريب وليسارع إليها الموافق ويبادر إليها العاقل اللبيب.. وفلان من قد عرفتموه في نسب لم تجبلوه خطب إليكم فلانة فتاتكم وقد بذل لها من الصداق كذا فشفعوا شافعنا وانكحوا خاطبنا وقولوا خيراً تحمدوا عليه وتؤجروا.. أقول قولي هذا وأستغفرالله لي ولكم».

(5)

ولقد أعطانا القلقشندي في كتابه «صبح الأعشى» صورة لما كان عليه النكاح في العصر المملوكي، غير أنه يوقعنا في حيرة إذ أنه يطالبنا بأن يكون الملتمس قصيراً موجزاً ثم يورد لنا ملتمسات طويلة جداً لا تتفق مع الشرط الذي وضعه. فهل ياترى كانت ملتمساته الطويلة تلك قصيرة في نظره؟ أم أن ملتمساته التي تمثل بها كانت من صنعة كتاب محترفين ينتظرون الأجر، والأجر على قدر الطول؟

وهذا نمط من خطب النكاح، معبراً عن عصرالمماليك، فقد قال كاتبه: «من خصه الله بما خص به سيدي: من طهارة الأعراق والأنساب وشرف الأخلاق والآداب، وأفرده باجتماع خلال الخير المتفرقة في الأنام وعطر بثنائه ملابس الأيام رغب الأحرار في مواصلته وهان عليهم بذل الوجه في اختطاف ممازجته والتماس مواشجته ومناسبته.. وجدير بمن رغب إليه وطلب ما لديه واختير للمشابكة في الولد واللُّحمة والمشاركة في المال والنعمة، أن لا يجيب ولا يمنع ويعمل ولا يقطع مصدقاً لأمل من أفراده بارتياده وتوحده باعتماده عارفاً له حق ابتدائه بالثقة التي لا يجوز رد من اعتمدها ولا صدر من حسن ظنها وقد علم الله تعالى أن مضى المملوك مدة وهو يبحث متطلباً قريباً للتأهل مؤشراً لعمارة المنزل راغباً في سكن تطمئن النفس إليه وتعتمد في الفواتح والمصاير عليه.. وكلما عُرض للمملوك بيت أباه أو ذُكر له جانب قطع عنه رجاه، لعدم بعض الشروط التي يريدها فيه وتعذرها عليه، فلما قرع سمعه ذكر سيدي على أنه الغاية التي لا مرقى بعدها والنهاية التي لا مطمح وراءها وأنه وصل إلى الأمنية ووجد من يجمع الخلال المرضية.. وكتب المملوك هذه الرقعة خاطباً كريمته فلانة ليكون لها كالعضد الضامن للمهند والجلد الحافظ للمجلد ويكون لمولانا كالولد البر بأبيه ولأخيها كالأخ الشفيق على أخيه.. فإن رأى سيدي أن يتدبر ما كتبه المملوك ويتسمع من توكيد رقعته ما حملته ويجيب إلى ما سأله فلهعلو الرأي في ذلك إن شاء الله تعالى» .

(6)

أما في العصر الحديث فيلجأ الخاطبون إلى ذكر الله وقول: «الحمد لله رب العالمين وكفى، والصلاة والسلام على إمام المتقين محمد رسول الله المصطفى، ومن على أثره الإسلامي القويم اقتفى، وبعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يقول الله عز وجل في الكتاب العزيز: { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)}(القرآن المجيد، الروم).

وقال الله الخبير العليم تبارك وتعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)}( القرآن المجيد – الحجرات).

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».

باسمي واسم العريس ( فلان بن فلان) ووالد العريس (أبو فلان) وأهل العريس وباسم الجاهة الكريمة جئنا نخطب ونطلب ابنتكم ( فلانه بنت فلان ) للزواج من ابننا الأديب (فلان بن فلان) على سنة الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم ?، حسب الدين الإسلامي الحنيف راجين من حضرتكم الموافقة والقبول على النسب والمصاهرة بيننا وبينكم .

(7) أخيراً ، يتضح أنه رغم ما كانت عليه زيجات عصر النبوة من البساطة والزهد والتقشف والبعد عن التكلف كما يبدو ذلك فى زواج الرسول وزواج ابنته فاطمة رضى الله عنها إلا أنّ التاريخ الإسلامى في العصور اللاحقة على عصر النبوة والخلفاء الراشدين يحفل بالكثير من الزيجات التي ذاعت شهرتها فى التاريخ وأسهب في وصفها المؤرخون وتعجب من أحوالها الرحالة المسلمون والأجانب وتبارى الجميع في تسجيل وقائعها وأحداثها ومن هذه الزيجات ذات الشهرة العظيمة في التاريخ الإسلامي زواج الخليفة هارون الرشيد من السيدة زبيدة بنت أبي جعفر المنصور، وما صاحب هذا الزواج الذي تم عام 165هـ 782 من إسراف وبذخ لم يعهده المسلمون من قبل فقد وهب الخليفة المهدي للناس أواني الذهب المملوءة بالفضة وأواني الفضة مملوءة بالذهب والمسك والعنبر.

لذلك تميزت هذه الفترة بأن عقود الزواج فيها تختلف عن عقود الزواج في عصرنا الحالي فقد كانت عقود الزواج في هذه الفترة غنية بالبيانات المتصلة بالزواج من خطوبة وشهود ومهر معجل ومؤخر ووصايا بحسن الصحبة والعشرة والأمر بالإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان وفي بعض عقود الزواج شروط تشترطها الزوجة على الزوج، ويتضح من هذه العقود أن قيمة المهر في ذلك العقد تراوحت ما بين 4 دنانير، و20 دينار ذهب حسب حالة الزواج والمؤخر لم يكن يدفع عند الطلاق، وإنما كان يدفع على أقساط في مواعيد محددة من تاريخ عقد الزواج وكان يشهد على عقد الزواج أكثر من شاهدين ومن وصل عددهم إلى 10 شهود، وكان من بين الشروط التي تضمنها عقد الزواج ما يتعلق بزيارة الأهل أو وضع الزوجة في حالة زواج الزوج عليها.

 



لا تنسى تقييم الموضوع

القسم : غرائب وطرائف

المصدر : ßÓÑÉ

قد يعجبك أيضاً

اضف تعليق

فكرة الموقع : "كله لك" هو شراكة بيننا و بينكم ..دورنا : انتقاء أفضل الموضوعات المنشورة و المتداولة علي المواقع ... دوركم : تقييم المحتوي للتأكيد علي أهميته أو إرشادنا لحذفه

لمعرفة المزيد عن الموقع اضغط هنا