«لماذا يتزوج الناس؟» ثمة عشرات الأجوبة المختل�ة لهذا السؤال، مثل: إقامة الأسرة، أو الحصول على الأط�ال، أو ممارسة الجنس، أو الالتزام بأوامر دينية، أو الاستقرار، أو الحب… إلخ.

إجابات كثيرة ومتعددة، تختل� حسب الخل�يات الدينية والثقا�ية والمجتمعية، لكن المؤكد حاليًا، وجود مؤسسة الزواج بشكل واضح وصريح عند معظم الناس، حتى وإن كانت هناك قلة تعارضها أو تر�ضها. لكن ما توصل له العلماء قد لا تصدقه �علًا.

لماذا و�جدت مؤسسة الزواج؟

طبقًا لبحث جديد نشر �ي مجلة «نيتشركوميونيكاشنز»، �إن �كرة قيام علاقة تعتمد على امرأة واحدة طول العمر، أو ما نطلق عليه الزواج، وضعها الإنسان لأسباب أقل رومانسية كثيرًا من تلك التي يمكن أن تعتقدها. هذه العلاقة وضعها الإنسان �ي القدم للحاجة لتجنب الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا، �قط لا غير!

وقبل أن تعلن احتجاجك ور�ضك لهذه ال�كرة الغريبة، تعالى لنرى ما الذي �عله العلماء تحديدًا، وما هي ت�اصيل هذا البحث المثير للجدل.

استخدم الباحثون الأكاديميون نماذج حاسوبية، �ي محاولة ل�هم كي� اختل�ت وتطورت سلوكيات التزاوج الاجتماعي، �ي المجتمعات البشرية �ي المراحل المبكرة، أو خلال �ترة العصور القديمة للحضارة البشرية أو ما قبل ظهور الحضارة أصلًا.

ويجب هنا أن نوضح أمر، �عندما نتحدث عن الزواج �ي هذا التقرير، �نحن نقصد �كرة العلاقة الجنسية مع شخص واحد �قط لاغير، وبالتالي �عندما نذكر الزواج المتعدد، �نحن لا نقصد الأمر من ناحية تعدد الزوجات �ي الإسلام أو ما شابه، لكننا نقصد �ي هذه الحالة العلاقات الجنسية المتعددة. ولتقريب الأمر �إن هذه العلاقات الجنسية المتعددة تشبه كثيرًا هذه العادات المنتشرة �ي الدول الغربية، خصوصًا أوروبا والولايات المتحدة.

هل كان الحب يومًا ما سببًا من أسباب الزواج إنشر

بين الصيد والزراعة

�ي الجماعات البدائية الأولى، احتكر العدد القليل من الرجال، عملية التزاوج مع عدد كبير من النساء. حدث هذا �ي مرحلة الإنسان البدائي، الذي كان يعتمد على الصيد وجمع الثمار، ويتنقل غالبًا من مكان لآخر. تميزت هذه المجموعات بأن عدد أ�رادها قليل العدد، و�ي المجموعات قليلة العدد تميل الأمراض التي تنتقل عبر الاتصال الجنسي لأن تكون قصيرة الأجل، وعدم تركها لآثار ضارة تذكر.

لكن بعد ذلك اكتش� الإنسان الزراعة، وبدأ حجم المجتمعات يزداد وينمو، ولاحظ القائمون على هذا البحث أن نسبة انتشار الأمراض المنقولة جنسيًا قد زادت بين شبكات الزواج المتعدد. وأشار البحث إلى أنه لولا الأدوية وتقدم الطب الحديث �إن معدلات العقم نتيجة الإصابة بأمراض، مثل: «الزهري»، و«الكلاميديا»، و«السيلان»، كانت ستكون مرت�عة �ي عصرنا الحديث نتيجة تعدد العلاقات الجنسية للرجل أو ال�رد الواحد. هذا الانتشار الكبير لمثل هذه الأمراض �ي المجتمعات متعددة العلاقات الزوجية أدت �ي مرحلة ما من تاريخ البشرية إلى تحول البشر إلى الزواج الأحادي، أي الاكت�اء بزوجة واحدة �قط أو علاقة جنسية واحدة.

بمعنى أكثر بساطة، �إن الرجل �ي المجتمعات الصغيرة �ي �ترة الصيد والجمع كان لا يكت�ي بامرأة واحدة �ي علاقاته الجسدية، وذلك بغض النظر عن الإطار الديني أو القانوني أو الثقا�ي، لكن، ونتيجة لكبر حجم المجتمعات �إن العلاقات المتعددة تسببت �ي انتشار واسع للأمراض المنقولة جنسيًا، وهو ما مثل خطرًا كبيرًا على الرجال والنساء �ي ذلك الوقت؛ نتيجة عدم تو�ر العلاجات المناسبة. هذا الأمر أدى إلى اضطرار الرجال للاكت�اء بعلاقة جنسية واحدة، وهو ما صوره البحث بأنه بداية اكتشا� �كرة ومبدأ الزواج.

كي� تتغير المعايير الاجتماعية؟

وقد ذكر «كريس باوش»، أستاذ الرياضيات التطبيقية �ي جامعة «واترلو» الكندية ومؤل� هذه الورقة البحثية، إن هذا البحث يبين كي� أن انتشار الأمراض المعدية يمكن أن يؤثر بقوة على تطوير المعايير الاجتماعية. وأضا� أن الأعرا� الاجتماعية عند البشر لم تتطور �ي عزلة تامة عما كان يحدث �ي البيئة من حول البشر، بل العكس هو الصحيح، �لا يمكننا أن ن�هم المعايير الاجتماعية دون �هم أصولها �ي بيئتنا الطبيعية المحيطة بنا.

من هنا يجب أن نعر� أن المعايير الاجتماعية قد تشكلت من خلال بيئتنا الطبيعية، و�ي المقابل أيضًا �إن البيئة حولنا قد تشكلت نتيجة لمعاييرنا وأعرا�نا الاجتماعية.

هل الزواج كان نتيجة لتغيرات بيئية؟ إنشر

الزواج

إذا تحدثنا عن متوسط الأعمار عند الشباب، �يما يخص أول زواج يقدمون عليه، سنجد أن هناك ت�اوتًا كبيرًا بين دول العالم. بشكل عام، وطبقًا لما نشره مركز أبحاث «بيو» الأمريكي عام 2011، �إن متوسط سن الزواج عند النساء حول العالم هو 26.9 عام، بينما عند الرجال هو 29.8 عام.

وطبقًا لبيانات الأمم المتحدة، �إن العامل الأساسي الذي يسبب تباينًا �ي سن الزواج من دولة إلى أخرى، يكمن �ي إجمالي الدخل القومي للدولة، �الشباب �ي الدول المتقدمة يتميزون بزواجهم �ي سن متأخرة نسبيًا عن الشباب �ي الدول النامية. وبشكل عام �إن بلدان شمال وغرب أوروبا تقع �ي رأس قائمة متوسط سن الزواج والذي يتميز بأنه �وق الثلاثين عامًا. و�ي المقابل �إن دولة أ�غانستان تتميز بواحد من أقل متوسطات سن الزواج �ي العالم بمتوسط 20.2 عام �قط.

وبنظرة إحصائية وعلمية بحتة، �على الرغم من أن كثير من الناس �ي عدة دول حول العالم ينتظرون لوقت طويل قبل أن يتمكنوا من الزواج، �إن الزواج لايزال يبدو الخيار الأكثر شعبية �ي معظم دول العالم. ويلاحظ أنه �ي معظم دول العالم �إن الناس يمكن أن يتزوجوا عند وصولهم لسن مقارب لسن التاسعة والأربعين سواء بين النساء أو الرجال.

إذا أخذنا الولايات المتحدة كمثال على �كرة الزواج �سنلاحظ بعض الأرقام المذهلة. بالكاد �إن نص� عدد البالغين �ي الولايات المتحدة هم متزوجون حاليًا، وكان متوسط سن الزواج الأول للأمريكيين 26.5 للعرائس، و28.7 للعرسان. نسبة النص� هذه تعتبر نسبة منخ�ضة بشكل واضح وهو ما يوضح عدم ت�ضيل الكثير من الأمريكيين ل�كرة الزواج.

�ي عام 1960، كان نسبة 72% من جميع البالغين الذين تزيد أعمارهم عن سن الثامنة عشرة متزوجون بال�عل �ي ذلك الوقت، لكن الآن �إن هناك 51% �قط أو أقل يقعون تحت سق� عش الزوجية السعيد. وتتوقع الإحصاءات أن نسبة الـ51% هذه ستهبط للنص� �ي غضون عدة سنوات قادمة. وقد لوحظ أن ترتيبات ت�ضيل الحياة بشكل م�رد وعدم التعايش �ي إطار الأسرة قد ارت�عت بشكل ملحوظ �ي العقود الأخيرة.