"إنه ليس سرطاناً على الإطلاق"، هكذا قررت لجنة دولية من الأطباء بشأن ورم الغدة الدرقية الذي طالما كان ي�شخّص كورم سرطاني، وبذلك يكونون قد أسقطوا رسمياً التصني� السابق للمرض، وسيكون آلا� المرضى بمنأى عن إزالة الغدة الدرقية، والعلاج باليود الم�شع، والخضوع ل�حوصات منتظمة لبقية حياتهم للحماية من الورم الذي لم يكن أبداً ليشكل تهديداً.

وبحسب الاستنتاجات والبيانات التي أدت إليها، ونشرتها صحي�ة JAMA Oncology، الخميس 14 أبريل/نيسان، �من المتوقع أن يؤثر ذلك التغيير على نحو 10 آلا� مما يقرب من 65 أل� مريض بسرطان الغدة الدرقية �ي الولايات الم�تحدة، كما من شأنه إحداث �ارق هام للم�نادين بإعادة تصني� بعض أشكال السرطان، بما �ي ذلك الآ�ات الحالية التي ت�صيب الثدي والبروستاتا.

وبحسب ما نقلته صحي�ة نيويورك تايمز الأميركية، �قد قالت اللجنة إن الورم الم�عاد تصني�ه هو كتلة صغيرة �ي الغدة الدرقية م�حاطة بالكامل بكبسولة من النسيج اللي�ي، وت�شبه نواته الأورام السرطانية ولكن خلاياه لم تخرج من كبسولتها، والجراحة التي يتم إجراؤها لإزالة الغدة الدرقية بالكامل إثره، وما يليها من العلاج باليود المشع ت�عد غير ضرورية وضارة.

وبذلك �قد أعادوا تسمية تشخيص الورم الذي كان ي�دعى سابقاً "سرطانات الغدة الدرقية الحليمية" �أصبح ي�دعى "الأورام الدرقية المسامية ذات النواة المشابهة للورم الحليمي"، أو "Niftp" أي أن كلمة "سرطان" قد أ�زيلت من التسمية.

وقد قال العديد من خبراء أمراض السرطان إن إعادة التصني� قد طال انتظارها. �على مدار سنوات كانت هناك مطالبات بالتراجع عن تشخيص الآ�ات الصغيرة بالثدي والرئة والبروستاتا وغيرها ليتم حذ� م�صطلح "سرطان" من تسميتها.

وعلى الرغم من أنه سبقت إعادة تسمية المرحلة مبكرة لورم القناة البولية عام 1998، والمراحل الم�بكرة من آ�ات المبيض وعنق الرحم قبل أكثر من عقدين من الزمن، �لم تقم مجموعة طبية بخلا� الم�تخصصين بالغدة الدرقية بالتراجع عن التصني� السابق.

"إن لم تكن سرطاناً �دعونا لا ن�سميها سرطاناً"، هكذا يقول جون موريس، الرئيس المنتخب للجمعية الأميركية للغدة الدرقية أستاذ الطب �ي مستش�ى مايو كلينيك، الذي لم يكن عضواً بلجنة إعادة التسمية.

لماذا الخلا� حول التسمية؟

قال الدكتور بارنيت كرامر، مدير قسم الوقاية من السرطان �ي المعهد الوطني للسرطان "إن هناك قلقاً متزايداً من أن العديد من المصطلحات التي نستخدمها لا تتطابق مع �همنا لبيولوجيا السرطان". وتسمية بعض الإصابات بالسرطان �ي حين أنها ليسوا كذلك تؤدي إلى علاجات ضارة وليست ضرورية.

وبينما يتلقى العديد من المرضى بأورام الغدد الدرقية الكبسولية بالمراكز الطبية الرائدة علاجات أقل عدائية "أي أقل شدة من التي يتلقاها مرضى السرطان �ي المراحل المتقدمة والمتوسطة"، �إن هذا ليس العر� السائد �ي بقية المراكز العلاجية بالبلاد وبقية أنحاء العالم.

لماذا بدأ التحرك الجاد نحو إعادة التصني�؟

بدأ الحراك بشأن إعادة التصني� منذ عامين عندما س�ئل الدكتور يوري نيكي�ورو�، نائب رئيس قسم علم الأمراض بجامعة بيتسبرغ، عن رأيه بشأن وجود ورم صغير بالغدة الدرقية لدى امرأة تبلغ من العمر 19 عاماً. وكان م�غطى بالكامل وتم على إثره إزالة �ص الغدة الدرقية الذي يحتوي على الورم من أجل للتشخيص.

ولكن قصة هذه المرأة الشابة قادت نيكي�ورو� إلى الحاجة الماسة لإجراء البحث. يقول نيكي�ورو�: "لقد قلت للطبيبة التي كانت صديقة م�قربة إن ه�ناك ورماً صغيراً للغاية، وأنت لست م�ضطرة ل�عل أي شيء حياله"، ولكن الجرّاحة ردت على ذلك و�قاً للمبادئ التوجيهية المعتمدة، �هي م�ضطرة لإزالة الغدة الدرقية بالكامل للسيدة الشابة، وعلاجها لاحقاً باليود الم�شع، وعلى المريضة أن تخضع ل�حوصات م�نتظمة لبقية حياتها".

وحينها قال نيكي�ورو�: "هذا يك�ي، ينبغي على شخص ما أن يتولى المسؤولية ويوق� هذا الجنون".

كي� تمت الدراسة؟

حينها جمع الطبيب �ريقاً دولياً من الخبراء شمل 24 من الأطباء المشهورين، واثنين من أخصائيي الغدد الصماء، وطبيباً متخصصاً بجراحة الغدة الدرقية، وطبيباً ن�سياً على علم بالتأثير الذي يخل�ه التشخيص بالسرطان ومريضاً. وقد جمع ال�ريق 200 من الحالات التي تتلقى العلاج لدى مراكز متعددة �ي جميع أنحاء العالم – وكان بين المرضى هؤلاء الذين ي�عانوا أوراماً �ي شكل كبسولات لي�ية م�غلقة، وكذلك الذين ي�عانون خروجاً للأورام عن غلا�ها، وات�ق الجميع على أنه و�قاً للمعايير الحالية، �جميع الأورام ست�صنّ� باعتبارها سرطاناً. وقد خضع جميع المرضى للمتابعة لعشر سنوات على الأقل.

ولم ي�عالج المرضى بأورام كبسولية م�غلقة بعد إزالة أورامهم، ولم تتواجد أي أدلة على السرطان لدى أي ممن لم يخضعوا لجراحة الاستئصال، ومع ذلك �قد عانى بعض المرضى الذين ت�شت الأورام لديهم من م�ضاع�ات، بما �يها الموت على إثر سرطان الغدة الدرقية، وذلك على الرغم من تلقيهم العلاج.

ما ال�ارق الجوهري بين السرطان والتشخيص الجديد؟

يقول نيكي�ورو�: "تلك الدراسة توضح أن ما ي�حدث �ارقاً ليس وجود سمات بنوايا الخلايا ي�شتبه �ي كونها سرطاناً، بل وجود ت�شّ للأورام".

وأضا� أن المرضى الذين انحصرت لديهم الأورام داخل كبسولاتها كان لهم تشخيص ممتاز، �هم ليسوا �ي حاجة إلى استئصال الغدة الدرقية. كما أنهم لا يحتاجون الى العلاج الإشعاعي. ولا يحتاجون أيضاً إلى الخضوع ل�حوص متابعة كل 6 أشهر".

ولكن إن لم تكن تلك الأورام سرطاناً، �ماذا يجب أن ت�سمى إذن؟

"ط�ر�حت 10 أسماء م�ختل�ة، وع�رضت للتصويت"، هكذا يقول الدكتور جريجوري راندول�، أحد أعضاء ال�ريق الطبي مدير العيادة الجراحية للغدة الدرقية وجار الدرقية لدى مستش�ى هار�ارد للعين والأذن.

وأضا� أن ال�ريق �ي النهاية استقر على اسم Nift-P�، الذي ي�عرّ�� بوضوح تلك التكتلات صغيرة �ي الغدة الدرقية كآ�ات غير خبيثة.

التصني� القديم ينتهج قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"

و�ي ا�تتاحية نشرها ال�ريق الطبي بمجلة الغدة الدرقية، قالوا إن 8 من الجمعيات المهنية الرائدة من جميع أنحاء العالم وقعت على التصني� الجديد للورم وعلى اسمه الجديد. وقد كتبوا �ي مقالهم أن الأطباء قد ينتهجون مبدأ "لا ضرر ولا ضرار" �ي علاج المرضى بتلك الأورام كما لو كانوا ي�عانون سرطاناً خبيثاً.

والآن.. إخبار المرضى يشكل التزاماً أخلاقياً

يقول الدكتور نيكي�ورو� إنه مدين للمرضى المصابين بالأورام الم�عاد تصني�ها بإخبارهم بأنهم ليسوا مرضى بالسرطان على أي حال، ومن المقرر أن يبدأ وآخرون المركز الطبي لجامعة بيتسبرغ، م�راجعة السجلات الطبية والتقارير المرضية للتعر� على المرضى السابقين والتواصل معهم.

وقد ذهبت التقديرات إلى أن نحو 50 إلى 100 يترددون على المركز الطبي كل عام لن ي�ضطروا لاحقاً لإجراء ال�حوص الدورية، وقد تخلصوا من ظلال السرطان التي خل�ها التشخيص السابق على حياتهم.

وتابع قائلاً إن "إبلاغ هؤلاء المرضي ي�عد التزاماً أخلاقياً م�روضاً على الأطباء".

- هذه المادة كترجمة بتصر� عن صحي�ة The New York Times الأميركية.