المحتوى الرئيسى

قبيلة تأكل جثث الموتى تساعدنا على فهم أفضل لـالزهايمر

كان لدى "شعب الفور"، وهي قبيلة كانت معزولة ذات يوم في شرق بابوا غينيا الجديدة، تقليد عريق يخص أعياد الموتى، وهو أكل الموتى في الجنازات. التهم الرجال لحم أقاربهم المتوفين، بينما أكلت النساء والأطفال الدماغ تحديداً.

كان ذلك بمثابة تعبير عن الاحترام لمن فقدوهم من الأحباء، ولكن هذه الممارسة أفسدت المجتمعات التي تركوها خلفهم. ذلك لأن جزيئاً قاتلاً يعيش في الأدمغة التي تأكلها النساء تسبب في مرض تنكسي حاد يسمى "كورو" الذي كان يودي بحياة 2% من سكان العالم كل عام في فترة ما.

جرى حظر هذا التقليد في الخمسينيات، وبدأ وباء كورو في الانحسار. ولكنه ترك علامة غريبة ولا رجعة فيها على شعب الفور، علامة لها تأثيرات تجاوزت حدود بابوا غينيا الجديدة، فبعد سنوات من تناول الأدمغة، طور بعض الأشخاص في شعب الفور مقاومة وراثية تجاه الجزيء الذي يسبب عدة أمراض مميتة، بما في ذلك الكورو ومرض جنون البقر وبعض حالات الخرف.

وقد جرى اكتشاف هذا الجين الواقي في دراسة نُشرت، أمس الأربعاء 13 أبريل/نيسان 2016 في مجلة Nature. ويقول الباحثون إن الاكتشاف يمثل خطوة هائلة نحو فهم هذه الأمراض وغيرها من مشاكل الدماغ التنكسية، بما في ذلك مرض الزهايمر والشلل الرعاش.

ويعمل الجين عن طريق حماية الناس ضد "البريونات"، وهو نوع غريب وقاتل في بعض الأحيان من البروتين. وعلى الرغم من أن "البريونات" تنتج بشكل طبيعي في جميع الثدييات، فإنها يمكن أن تكون مشوّهة بطريقة تجعلها تهاجم الجسم الذي أنتجت فيه، فتتصرف مثل الفيروس وتهاجم الأنسجة. بل حتى إن البريون المشوّه قادر على إصابة البريونات التي تحيط به، وإعادة تشكيلها حتى تتشابه معه في تركيبته وطرق عمله البغيضة.

إن تأثير البريونات على مضيفيها مدمر وقاتل دائماً. وقد غزا البريون أدمغة ضحايا شعب الفور وسبب ثقوباً مجهرية، ما منح العضو ملمساً إسفنجياً غريباً. وفي الماشية، تسبب البريونات مرض جنون البقر - فهي المسؤولة عن انتشار هذا الوباء في بريطانيا في أواخر الثمانينيات والتسعينيات ما أدى إلى التخلص من مئات الآلاف من الماشية. وقد جرى ربطها بنوع غريب من الأرق القاتل الذي يقتل الناس عن طريق حرمانهم من النوم. وهي مصدر الاضطراب العصبي التنكسي المعروف باسم كروتزفيلد جاكوب، الذي يميزه الخرف السريع، والتغيرات في الشخصية، ومشاكل العضلات، وفقدان الذاكرة وأخيراً عدم القدرة على الحركة أو الكلام.


أمراض غادرة


الغالبية العظمى من أمراض البريون تظهر دون سبب، ولكن كبير الباحثين الذين وضعوا الدراسة، جون كولينغ، قال في مقابلة مع Nature إن نسبة من الحالات موروثة من أحد الوالدين، بل وحتى هناك نسبة مئوية أصغر من الإصابة تحدث بسبب استهلاك الأنسجة المصابة. ويحدث مرض كروتزفيلد جاكوب، الذي غالباً ما يسمّى "مرض جنون البقر البشري"، عن طريق تناول لحوم البقر من الأبقار المصابة.

وفي حديثه إلى الراديو الوطني العام في عام 2006، قال الكاتب المهتم بشؤون العلوم دي تي ماكس، مؤلف كتاب عن البريونات والأرق الوراثي المميت، إن البريونات غادرة لأنه لا يوجد أي وسيلة لمنعها. وفي التسلسل الهرمي لمسببات الأمراض، فإنها تتميز بالمراوغة ويصعب القضاء عليها أكثر من الفيروسات.

ولا يمكن علاجها بالمضادات الحيوية أو الإشعاع. أما الفورمالين، وهو مطهر قوي، فإنه يجعلها أكثر ضراوة. وقال إن الطريقة الوحيدة لتنظيف عضو ملوث بالبريون هي استخدام كميات هائلة من المبيض المركز للغاية. إلا أن هذه التقنية ليست مفيدة في علاج شخص مُصاب بالفعل.

الدراسة التي أنجزها كولينغ وزملاؤه تقدم نظرة حاسمة في الطرق التي يمكن عبرها حماية البشر من البريونات التي لم نتعرف عليها بشكل كامل. وقد اكتشفها الباحثون من خلال دراسة الشفرة الوراثية لتلك الأسر في مركز وباء كورو الذي يضرب شعب الفور، والأشخاص الذين عرفوا أنهم تعرضوا لهذا المرض أكثر من مرة، الذين يبدو أنهم قد نجوا سالمين.

وعندما درس الباحثون الجزء من الجينوم الذي يشفر البروتينات التي تنتج البريون، وجدوا شيئاً غير مسبوق تماماً، فحيثما كان لدى البشر وكل حيوان فقاري في العالم الحمض الأميني المسمى الجلايسين، كان للبريون المقاوم أحماض أمينية مختلفة، وحمض أميني أساسي.

"يقع العديد من الأفراد في بؤرة الوباء، ولديهم هذا الفرق الذي لم نره في أي مكان آخر في العالم"، قال كولينغ للمجلة.

منع التغير الدقيق في جيناتهم البروتينات المنتجة للبريون من إنتاج نموذج الجزيء المسبب للمرض، ما يؤدي إلى حماية الأفراد من مرض كورو. لاختبار ما إذا كان قد جرى حمايتهم من أنواع أخرى من مرض بريون، قام كولينغ - مدير وحدة بحوث البريون في جامعة لندن - وفريقه بتعديل جينات العديد من الفئران لتقليد هذا الاختلاف.


تجارب


وعندما أعاد العلماء تخليق أنواع وراثية اكتشفت في البشر - فأعطوا الفئران كلاً من البروتين الطبيعي والبديل بكميات متساوية تقريباً - أصبحت الفئران مقاومة تماماً للمرض. ولكن عندما فحصوا مجموعة ثانية من الفئران التي جرى تعديلها وراثياً لإنتاج البروتين البديل فقط، منحهم ذلك حماية أقوى، فأصبحت الفئران مقاومة لكل سلالة من البريون، 18 سلالة بالمجمل.

"هذا مثال صارخ على التطور الدارويني في البشر، فمكافحة وباء بريون عبر تعديل جيني وحيد وفر الحماية الكاملة ضد الخرف المميت دائماً"، قال كولينغ لوكالة رويترز.

لم يكن شعب الفور الوحيد الذي أظهر المقاومة لوباء بريون. فمنذ أكثر من عقد من الزمن أجرى مايكل ألبرز، المتخصص في وباء كورو الذي درس حالة شعب الفور منذ الستينيات، وكان مؤلفاً مساعداً في الدراسة، بحوثاً مماثلة على جينات بروتين بريون في البشر في جميع أنحاء العالم. ففي دراسة نشرت في مجلة Science، وجد أن الناس في أقصى الأماكن مثل أوروبا واليابان أظهرت الحماية الوراثية، مشيراً إلى أن أكلي لحوم البشر كانوا منتشرين على نطاق واسع وأن بشر ما قبل التاريخ ربما تعاملوا مع موجات من الأوبئة مثل كورو خلال تطورنا.

لكن الجينات التي عثر عليها لدى شعب الفور لها خصوصية لأنه يبدو أنها تقدم بروتينات متحولة منتجة للبريون (من النوع الذي ينتقل من الوالدين، ما يتسبب في أمراض البريون الموروثة) غير قادرة على إنتاج أي نوع من البريون على الإطلاق. كما أنها منعت أيضاً البروتين من النوع البري - النمط الظاهري الذي يوجد لدى معظم الناس - من إنتاج البريونات المشوهة.

ويقول العلماء إن فوائد هذا الاكتشاف لا تتوقف عند أمراض البريون، التي هي نادرة نسبياً، فحوالي 300 حالة سنوياً يجري الإبلاغ عنها في الولايات المتحدة. وفقاً لكولينغ، فإن عملية تكون أمراض البريون – تعمل البريونات على تغيير شكل الجزيئات من حولها، وتربطها معاً لتشكيل سلاسل طويلة تسمى "البوليمرات" التي تضر الدماغ - هي المسؤولة على الأرجح عن الآثار المميتة لجميع أنواع الأمراض التنكسية التي تصيب الدماغ، مثل مرض الزهايمر والشلل الرعاش.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية فهناك 47.5 مليون شخص في أنحاء العالم يعانون من الخرف. ويتم تشخيص 7.7 مليون شخص إضافي سنوياً.

وإذا كان بوسع كولينغ وزملائه فهم الآليات الجزيئية التي تعمل وفقها البريونات، وكيف توقفها الجينات المقاومة للبريون، فلربما يفهمون بشكل أفضل البروتينات المشوهة التي تصيب الملايين ممن يعانون من أمراض الدماغ التنكسية الأخرى.

وقد أعجب أريك منكييل، وهو باحث في وباء بريون في معهد برود في كامبردج في ماساشوستس، الذي لم يشارك في الدراسة، بهذا الاكتشاف.

"هذه مفاجأة"، قال للمجلة. وأضاف: "لم أتوقع أن تحصل هذه القصة على فصل آخر".



لا تنسى تقييم الموضوع

القسم : غرائب وطرائف

المصدر : åÇÝíäÛÊæä ÈæÓÊ ÚÑÈí

قد يعجبك أيضاً

اضف تعليق

فكرة الموقع : "كله لك" هو شراكة بيننا و بينكم ..دورنا : انتقاء أفضل الموضوعات المنشورة و المتداولة علي المواقع ... دوركم : تقييم المحتوي للتأكيد علي أهميته أو إرشادنا لحذفه

لمعرفة المزيد عن الموقع اضغط هنا