المحتوى الرئيسى

الزار يصبح مزار

أغلب الناس اليوم لا ينظرون إلى «الزار» على أنه فن أو فلكور شعبي، بل وسيلة من وسائل الدجل والشعوذة والنصب.. قد تكون السينما هي من خلقت هذه الصورة الذهنية، وقد تكون ندرة الدراسات وعدم الاكتراث بها أو ربما انتشار استخدامه في النصب فعلاً.. لكن أياً كانت الأسباب وراء تلك السمعة، فالمؤكد أن «الزار» كطقس شعبي أوشك على الاندثار، وكفن ظُلم وحُقر من شأنه حتى بين أوساط المثقفين.

والزار هو طقس قديم، انتشر في كثير من البلدان العربية، وككل الطقوس يصعب تحديد أصلها بدقة، فهناك خلاف بين المهتمين به… هل أصل الزار يعود إلى الحبشة أم مصر القديمة؟

لكن الخلاف حول أصل الزار لا ينفي الاتفاق حول وظيفته، فهدف الزار كان طرد الأرواح الشريرة التي تسكن الجسد مسببة له الغم والحزن.

ويرى بعض الناس أن كلمة «زار» مشتقة من كلمة «دجار» باللغة الأمهرية، وهي تعني الروح الشريرة، والتي تسيطر على النفس مسببة المرض والغم.. ومن خلال طقوس معينة ممثلة في موسيقى ورقص وبخور وبعض الأشياء الرمزية الأخرى، فضلاً عن تقديم القرابين، يتم استرضاء هذه الروح الشريرة، كي ترحل تاركة المريض ينعم بالسلام والسكينة.

والأرواح في المعتقد الأفريقي هي المرادف لكلمة «الجن» في الثقافة العربية، ولذلك اسُتبدلت هذه بتلك، وأصبحت المريضة هي «الملبوسة» بدلاً من «المريوحة»… صياغات مختلفة لكن المعنى واحد.

وللأسف لا يوجد في المكتبة العربية كتب أو دراسات كثيرة متعمقة عن «الزار» وربما يعدّ كتاب «الزار ومسرح الطقوس» لعلي العليمي، من أفضل الكتب التي تناولت هذا الفن.. فضلاً عن مخطوطة «الزار» للمستشرق الألماني «أوتو ويبر» والتي تناول فيها تفاصيل الزار.

«الزار فن شعبي أصيل أوشك على الانقراض»، هكذا يبدأ أحمد المغربي مدير «المركز المصري للثقافة والفنون» وأحد القلائل المهتمين بالحفاظ على فن «الزار» حديثه.

يضيف أحمد «السينما ظلمت فن الزار ظلماً بيناً، وربطته في مخيلة المشاهد بالدجل والنصب، والحقيقة أنه فن شعبي له أصوله وأدواته ومحبوه، لذلك فكرنا في المركز المصري تبني هذا الفن وتنظيم حفلات أسبوعية له، في محاولة منا الحفاظ علية قبل الاندثار تماماً، خصوصاً وأننا نتحدث عن عدد لا يتجاوز 15 شخصاً فقط مازالوا يجيدون هذا النوع من الفن».

وعليه كان إنشاء فرقة «مزاهر» المتخصصة في فن الزار، لتشكل مع فرقة «دراويش أبو الغيط» آخر أمل للحفاظ على هذا الملمح الثقافي.

«النبي هـدف علـي مرامـه.. النبـي الهـادي صلـوا عليـه.. وقلبـي يحب النبي واللي يصلي عليه يا سامعين صلوا عليه».

هكذا دوماً تبدأ حفلة الزارالمصري… الريسة (قائدة الفرقة) تبدأ بالإنشاد في حب الرسول ومدحه صلى الله عليه وسلم… ثم تدخل معها باقي الفرقة والتي تتكوّن من 5 إلى 8 أفراد.. والحقيقة أن الترتيبات واحدة في الثلاثة أنواع من الزار، سواء المصري أو الأفريقي أو أبو الغار، وإن كان الفرق في الآلات المستخدمة.

إذ في حين يستخدم الزار المصري آلات (المزاهر- الطبلة – الصاجات – الكاس – المرياس) نجد الزار الأفريقي يعتمد أكثر على (الطنبورة – المنجور – النرواس) ويكون المؤدي هنا ذكر، ويطلق عليه «السنجق».. أما زار «أبو الغيط» فيميزه استخدامه لآلة الكولة، إلى جانب الطبل والصاجات.

 

لكن الزار قديماً كان أعقد من هذا، فلم يكن مجرد حفل قاصر على الإنشاد ومدح الرسول وترديد الأغاني، بل كان يُعتبر عملية استشفاء كاملة يؤمن بها كثيرون.. وكان الزار مرتبطاً بطقوس، تلاشت تقريباً، ولم يبق منها إلا الغناء والرقص.. ومن أهم طقوس الزار الموشكة على الاندثار:

1- الأثر: أو كما يسميه المصريون (الأطر)، وهو غالباً منديل رأس المريضة الذي يُذهب به إلى الريسة (مسؤولة الزار) لتفحصه وتكشف عليه لتبيان نوع الجن المسيطر.

2-العقد: وهو عبارة عن نصف ريال فضة، كان يغمس في دم الحيوان المذبوح ثم يُعقد (يربط) في ذراع المريضة كنوع من العلاج.

3-البخور: وهو غالباً عود – مستكي – جاوي والذي كان لابد من حضوره لاسترضاء الجان.

«ما بقاش عليه طلب خلاص» تقولها الريسة «مديحة» بأسى بالغ؛ واصفة حال الزار في مصر اليوم.. فالريسة مديحة تُعدّ تقريباً ريسة الزار الوحيدة في مصر حالياً، والرياسة مهنة متوارثة في عائلتها من جيل إلى جيل، فأمها امتهنتها وكذلك جدتها، لكن مديحة رفضت أن تُلقن بناتها فن الزار، مفضلة أن يكملن تعليمهن وأن يسلكن طريقاً آخر في الحياة.

أحمد المغربي يرى أن الزار مثله مثل كثير من الملامح التراثية التي تختفي يوماً بعد يوم، وأنه إن لم يتم الاهتمام به من جانب الدولة فسيأتي وقت قريب يلحق هذا الفن بأشياء كثيرة فقدناها من تراثنا.

سنوات عدة ومازال الجدل دائر حول «الزار» بين من يعدونه فناً شعبياً وتراثاً إنسانياً يجب الحفاظ عليه، ومن لا يعتبرونه إلا وسيلة من وسائل الدجل والشعوذة.. جدل لم يُفض وقضية لم تنتهِ.

 

 



لا تنسى تقييم الموضوع

القسم : غرائب وطرائف

المصدر : ßÓÑÉ

قد يعجبك أيضاً

اضف تعليق

فكرة الموقع : "كله لك" هو شراكة بيننا و بينكم ..دورنا : انتقاء أفضل الموضوعات المنشورة و المتداولة علي المواقع ... دوركم : تقييم المحتوي للتأكيد علي أهميته أو إرشادنا لحذفه

لمعرفة المزيد عن الموقع اضغط هنا