لندن – (بي بي سي):

يشهد �يلم "باتمان ضد سوبرمان"، وهو أحدث الأ�لام التي تتناول أبطالا خارقين، مواجهة بين بطلين أسطوريين، يرتدي كل منهما رداءً مميزا. �لمن تكون الغلبة؟ الناقد السينمائي نيكولاس باربر يلقي نظرة على ال�يلم �ي السطور التالية.

مثلما يوحي العنوان؛ يدور �يلم "باتمان ضد سوبرمان: �جر العدالة" حول صراع بين محقق خاص ملثم لديه سيارة مجهزة بأسلحة آلية، وكائن �ضائي قادر على الطيران يرتدي رداءً أحمر، وتطلق عيناه أشعة الليزر. للوهلة الأولى، تبدو هذه الأحداث أجدر بأن ت�قدم �ي صورة �يلم للرسوم المتحركة، موجه للأط�ال وم�عم بالصخب والمرح، وهو بال�عل ما كان ممكنا قبل أربعة أو خمسة عقود.

لكن ذلك لم يعد قائما. �أ�لام الأبطال الخارقين أصبحت جادة بشكل أكبر بكثير مما كان معتادا، وليس هناك دليل على ذلك أكثر من "باتمان ضد سوبرمان"؛ هذه الملحمة التي أخرجها "زاك سنايدر"، وتدور أحداثها على مدى ساعتين ونص� الساعة.

بل إن هذا ال�يلم لم يكن ليصبح أكثر قتامة وكآبة مما بدا عليه، حتى لو كان عبارة عن وثائقي من أربعة أجزاء حول ما يعر� بـ "الطاعون الدبلي".

ويبدأ "باتمان ضد سوبرمان"، وهو جزء ثان� ل�يلم "مان أو� ستييل" (رجل من �ولاذ)؛ بمشاهد تعيد تصوير المعركة التي شكلت ذروة أحداث ذاك ال�يلم الأخير، والتي تدور بين سوبرمان (ويجسد شخصيته هنري كا�يل) وخصومه من كوكب كريبتون.

الاختلا� هنا أن الصراع ي�قدم هذه المرة من وجهة نظر رجل الشارع العادي، إذ يضطر السكان، تعساء الحظ، لمدينة ميتروبوليس إلى ال�رار والارتعاد خو�ا بينما تمطرهم ناطحات السحاب الم�دمرة بالحطام المتساقط.

�من منظورهم، الذي يستحضر للذهن عمدا مشاهد الهجمات التي ضربت مركز التجارة العالمي، لا يبدو سوبرمان منقذا للبشرية، وإنما سلاحٌ حي يلحق دمارا واسع النطاق، وهو ما يثير أسئلة تظل تتردد على مدار باقي أحداث ال�يلم؛ وهي : هل سوبرمان يشكل حقا قوة للحق والعدل؟ هل هو مسؤول عن آلا� الضحايا والخسائر المادية التي تناهز قيمتها مليارات الدولارات جراء صراعاته الهائلة؟ وهل يمكن أن ينقلب يوما ضد الجنس البشري؟ وإذا ما أقدم على ذلك، �هل سيكون بوسع أحد وق�ه؟

وإذا ما كان بوسعنا الثقة �ي ما نشاهده �ي الأ�لام الترويجية القصيرة للأعمال السينمائية؛ �إن تلك التساؤلات تشكل هي ن�سها جزءا أساسيا من �يلم "كابتن أمريكا: الحرب الأهلية" الذي توشك شركة مار�ل على طرحه �ي دور العرض. ولكن لا يمكن بأي حال أن يتسم هذا ال�يلم المرتقب بالسوداوية والكآبة اللتين يصطبغ بهما "باتمان ضد سوبرمان: �جر العدالة".

وقد شارك �ي كتابة "باتمان ضد سوبرمان" دا�يد إس غوير، الذي أل� من قبل كذلك "رجل من �ولاذ" وثلاثية "باتمان" التي أخرجها كريستو�ر نولان. ويجمع ال�يلم الجديد ما بين الحبكات المتعددة المعلقة والمشحونة من جهة، وساحات المعارك العابقة بدخان الحروب التي ي�ضلها سنايدر من جهة أخرى.

ويتضمن العمل نقاشات حول ال�لس�ة واللاهوت، أو عن مراكمة الإنسان لإرثه وعن �قدان الآباء والأمهات. و�ي خل�ية الأحداث، تدوي موسيقى أوبرالية، وضعها هانز تسيمر وجنكي إكس إل، بينما تكتسي المشاهد بألوان تتراوح بوضوح ما بين الأسود والرمادي الباهت.

وبالنظر إلى أنه لا وجود لمحاربي الجريمة �ائقي القدرات، وأن ما من حاجة ملحة للشعور بالقلق حيال تأثير هؤلاء على الحضارة كما نعر�ها، �لربما بدا لطي�ا أن يقدم شخص ما �يلما عن بطل خارق بهد� إثارة حماسة وان�عال المشاهدين من صغار السن لا إصابتهم بالكوابيس. ولكن إذا ما كان المرء مستعدا للاقتناع بمعالجة متواضعة وذات طابع مزاجي لـ"البشر الخارقين"، كما ي�طلق عليهم �ي ال�يلم، �إن مخرجه سنايدر؛ هو الأكثر ك�اءة لأداء هذه المهمة بلا ريب.
باتمان �ي أ�ضل صوره؟
�ي واقع الأمر، يبدو "باتمان ضد سوبرمان" وكأنه تتويج جليل لكل ما حاول سنايدر �عله �ي أ�لامه السابقة، منذ تقديمه لمشاهد العن� الوحشي المن�ذة بشكل �ني منمق �ي �يلم "300 أسبرطي"، مرورا بمشاهد الحلم المغرق �ي الخيال والشذوذ �ي �يلم "ساكر بَنش" وصولا إلى تقويض الطابع المجازي لل�ظة "بطل خارق"؛ كما حدث �ي �يلم "ووتش مين" (المراقبون)، وهو الأمر الذي ي�شار إليه �ي ذلك العمل - كما سيلاحظ المهووسون من أصحاب النظر الحاد - من خلال عبارة مكتوبة على الجدران.

ورغم أن "باتمان ضد سوبرمان" م�عم بالمبالغات والأشياء المتنا�رة إلى حد يجعل المرء لا يأبه كثيرا بما يدور خلاله من أحداث، �إنه يد�عك للإعجاب بطاقة سنايدر المحمومة �ي إيصال هذا النوع من الأعمال السينمائية إلى آ�اق قصوى؛ من المبالغة والترويع. و�ي كل الأحوال، �إن مخرج هذا العمل يأخذ الأبطال الخارقين على محمل الجد دون شك، سواء أكنت أنت تتخذ هذا الموق� أم لا.

ويمكن القول إن ثلاثاً من شخصيات ال�يلم تشعر تحديدا بالقلق إزاء وجود سوبرمان حولها، أولاها؛ شخصية عضو حازم �ي مجلس الشيوخ - تقوم بدورها هولي هنتر – إذ تصر هذه الشخصية أن كل شيء لابد أن يكون خاضعا لإرادة الشعب، حتى وإن شمل ذلك الكائنات ال�ضائية التي تبدو كاملة السلطة والن�وذ.

أما الشخصية الثانية �هي لخصم سوبرمان اللدود ليكس لوثر، ويجسدها هذه المرة جيسي إيزنبرغ، وهو ما يخرج بها من عباءة رجل الأعمال الذي ي�شعرك بأنه عمٌ أو خالٌ لك، كما قدمها من قبل جين هاكمان، لتظهر �ي هيئة رجل طويل الشعر، مهووس بالموضة جامح �ي تصر�اته على نحو غير لائق، مع إيماءات مقلقة توحي بعدم اتزانه العقلي.

ويبدو ذلك بمثابة تجديد رائع للشخصية، لتصبح مزيجا ما بين شخصيتي مارك زوكبيرغ، كما جسدها إيزنبرغ ن�سه، �ي �يلم "ذى سوشيال نيتوورك" (الشبكة الاجتماعية)، والجوكر التي لعبها هيث ليدجر �ي "ذى دارك نايت" (�ارس الظلام).

وتتمثل الشخصية الثالثة، التي تشعر بالغضب حيال سوبرمان، �ي باتمان ن�سه، الذي يجسد شخصيته هذه المرة ب�ن أ�ليك. ومن بين التجديدات الممتعة التي يتضمنها �يلمنا هذا، أن مدينة "غوثام" – موطن باتمان - التي تكسوها الخضرة وذات الحالة المزرية �ي الوقت ن�سه (وصوّرت مشاهدها �ي ديترويت بالمناسبة) باتت تقع على الجانب الآخر من خليج تقبع ميتروبوليس – مدينة سوبرمان ذات المظهر الأكثر رونقا – على ض�ته الثانية.

وهكذا �إن المواجهة الحتمية بين البطلين الخارقين تبدو وكأنها منا�سة ما بين مدينتين جارتين أكثر من أي شيء آخر. ورغم أن أ�ليك ليس أ�ضل أداءً من كريستيان بَيل، الذي سبق له تجسيد "باتمان" من قبل، �إن تكراره لأداء الشخصية جعل هذا ال�يلم يت�وق على كل الأعمال الأخرى التي تناولت الشخصية ن�سها على شاشة السينما، بما �ي ذلك الثلاثية التي قدمها كريستو�ر نولان.

وأخيرا نجد هنا شخصية المدا�ع الشعبي عن القانون ذي الطابع السادي ال�اشي نص� المخبول، الذي كان ينتظره عشاق مجلات الصور المتحركة (الكوميكس). �عندما يرتدي باتمان زيه التقليدي، يبدو ضخم الجثة بشكل بارز ومؤثر، ومحاربا مخادعا وخبيثا لا يتوانى عن قذ� المحتالين عبر جدران المنازل المهجورة، أو وسم جلودهم بمكواة مرسوم عليها شكل الوطواط.

و�ي هذه الحالة �قط، يمكن للمرء أن يصدق أن المجرمين يشعرون بالذعر بال�عل من باتمان، بدلا من أن يهزأوا بسترته المطاطية وصوته الشبيه برغاء الجمل. أما عندما يخلع "باتمان" قناعه، �إنه يظل جديرا بالمشاهدة �ي شخصيته الأخرى، التي ت�دعى بروس وايْن.

وبينما قدم كريستيان بَيل تلك الشخصية على أنها لشخص اجتماعي لطي� يتسم برجاحة العقل وقادر على العمل ضمن �ريق، �إن وايْن – كما قدمه أ�ليك – كان شخصا عابسا سئ�ماً يتخلل الشيب شعره، ومولع بالخمر والتجسس الصناعي.

باختصار، �قد انتزع سنايدر و�ريقه ملامح شخصية "باتمان" �ي ال�يلم الأخير، من بين ص�حات قصة "دارك نايت ريترن" (عودة �ارس الظلام)؛ تلك القصة المصورة التي أبدعها �رانك ميللر، وبدّلت الطريقة التي كان يتم بها تصوير باتمان.

نتيجة لذلك، �قد سعى سنايدر و�ريقه لتوخي الدقة �ي كل شيء، بدءا من مزاح باتمان مع خادمه العصبي أل�ريد (يقوم بدوره جيريمي آيرونز) وصولا إلى سيارته الشهيرة – الأنيقة والمتينة �ي آن واحد - والمعرو�ة باسم "بات موبيل".

ومن المؤس� أن يكون "باتمان ضد سوبرمان" غاصا للغاية بالحبكات الثانوية والمعارك العني�ة الم�عدة بواسطة الكمبيوتر، والتي تصيب المشاهد بتبلد الإحساس.

ولذا �قد كان بوسع سنايدر تقديم �يلم هو الأ�ضل على الإطلاق عن باتمان، إذا ما حذ� شخصية سوبرمان تماما، وجعل إيزنبرغ يجسد شخصية الجوكر.

�و�قا للشكل الحالي لل�يلم، لم يكن هناك من داع� لوجود سوبرمان. �رغم المشاهد التي رسمها سنايدر ومدير تصويره المعتاد لاري �ونغ وظهرت �يها هذه الشخصية - وهي المشاهد التي جاءت مثيرة للإعجاب إلى حد أنه يجدر بها أن تتحول إلى ملصقات ت�وضع على الجدران - من اليسير أن يدرك المشاهد السبب الذي يجعل باتمان يحظى بالصدارة �ي اسم ال�يلم.

�بخلا� المشهد الغرامي المحموم الذي حظي به مع المقدامة الجسورة لويس لَين (آمي آدامز)، وهو �ي صورته الشبيهة بالبشر التي يحمل �يها اسم "كلارك كينت" - ما يؤكد إمكانية حدوث علاقة حميمة بين البشر وأهل كريبتون - لم ي�عل سوبرمان الكثير، سوى العبوس كمن يعاني من إمساك �ي المعدة، ثم الطيران �الاخت�اء �ي غياهب السماء. كما أن القدر الأكبر من حصته �ي الحوار لم يكن سوى قنابل صوتية.

ولا يخلو ال�يلم من "المرأة المعجزة" التي تقوم بدورها غال غادوت، وهي تظهر هنا قبل أن ي�طرح �يلم مخصص لها العام المقبل. وقد شهدت شبكة الإنترنت الكثير من التعليقات المتبرمة، لاختيار �تاة مغمورة نحيلة الجسد لتجسيد شخصية أميرة أمازونية محاربة ذات مسحة أيقونية.

ويمكن القول إن ما قدمته غادوت �ي باكورة أعمالها السينمائية؛ "باتمان ضد سوبرمان" لن ي�ضي إلى تغيير رأي من شككوا �ي صحة إسناد هذا الدور إليها. �رغم أن لهذه ال�تاة ذاك الجمال زيتوني اللون الملائم لذلك الدور، �إنها ت�تقر للجاذبية الشخصية والتأثير المطلوب لتمكينها من تجسيد دور مساعد �ي ال�يلم على نحو مقبول، ناهيك عن دور بطولة؛ بطبيعة الحال.

ولا تتحمل غادوت الذنب �ي ذلك وحدها. �المشكلة تكمن �ي أن شخصيتيّ "سوبرمان" و"المرأة المعجزة" ت�صوّران على أنهما شديدتا القوة وبالغتا الع�ا� والطهر على نحو مثير للسأم، ما يجعلهما أقرب للكائنات الغريبة أو الآلهة منهما للبشر. وهكذا، �إذا ما استعرضنا هذه الشخصيات الثلاث، سنجد "باتمان" هو الوحيد الذي يمتلك دوا�ع إنسانية وعيوبا بشرية أيضا.

من جانبي، لا اعتزم كش� النقاب عمن كانت له الغلبة �ي المواجهة الحاسمة التي دارت �ي ال�يلم بين الشخصيتين اللتين تتقاسمان عنوانه، ولكن إذا ما تحدثنا عمن كانت له منهما القدرة على جذب اهتمام المشاهد بشكل أكبر؛ �إن لـ"باتمان" هنا ال�وز، وبالضربة القاضية كذلك.