حتى وقت� قريب كنت غاضبةً مثل «جوليا روبرتس» �ي �يلم «ابتسامة الموناليزا»، حين أرى معظم النساء حولي منساقات دون إعادة النظر وراء رسائل الإعلانات التي تخاطبهن، أو التي تخاطب الرجال عن منتجات ليس لها علاقة بالإثنين �ي معظم الأحيان.

«الدعاية» – كما أراها- هي الإبنة المدللة للرأسمالية منذ ظهورها وتوحشها �ي عصرنا الحالي، دونها لن يعر� المستهلك شيئاً عن سلعة� ما إلا بالدعاية الش�هية Word of Mouth، وهي لن تأتي بذات السحر الذي ت�عله «الدعاية»، والإعلانات جزء من وسائلها.

قبل الشروع بترويج سلعة� ما أو خدمة �ي بلد� جديد، يقوم المسوّقون بدراسة السوق معتمدين على أربعة محاور رئيسية معرو�ة بالـ Four Ps of Marketing وهي: Product- Price- Place- Promotion (المنتج، السعر، المكان، والتسويق). حسب الدراسات �إن هذه المحاور تلعب الدور الأهم �ي عملية التسويق لأيّ منتج أو خدمة.

والحملات الدعائية نادراً ما تواجه المجتمع بما ليس �يه، عليهم أن يغازلوا أهواء وميول المستهلكين �ي مكان معين ليحققوا النجاح المطلوب، ويكمن النجاح هنا �ي إبهار المستهلك بصرياً أو جذبه عاط�ياً نحو شيء محدد، واكتساب ثقته وولائه أحياناً هو ج�لّ المنا�سة بين شركات الدعاية والإعلانات.

ليس للرأسمالية أهدا�ٌ نبيلة، كلنا نعر� أنها تزيد الأغنياء غنى وال�قراء �قراً، ولا أمل �ي جعلها غير ذلك، ولكي يقتنع الكثير من المستهلكين بأنّ د�عهم المال الذي جَنوه بصعوبة �ي منتج ما ليس ذا أهمية تذكر-وما أكثرهم!- ، �أنت بذلك تضمن استمرار الرأسمالية واست�حالها، ولكن عليك أن ت�عل ذلك دون الظهور كمن يبيع الهواء، عليك أن تكون مقنعاً، وأن تجعل هؤلاء ينساقون خل� إعلان� صغير للشراء، �يحقق الأغنياء أرباحاً مستمرة، وتجني أنت الأموال لأنك استطعت بال�عل بيع الهواء.

ولكي ينجح المسوقون �ي ذلك �لديهم مادة جاهزة وخصبة يمكن استخدامها مراراً وتكراراً دون أن يملّ أحد ودون أن تحدثّ تغييراً جماً �ي المجتمع وقناعاته، أنت هنا لست صاحب رسالة، أنت مجرد بائع وعليك أن تنتزع الأموال من جيوب المستهلكين، بأي وسيلة.

مداعبة المجتمع بما �يه وما يدا�ع عنه ليل نهار واستخدام ذلك �ي رسالة إعلانية قصيرة، ستد�ع المستهلكين –الذين هم جزء من هذا المجتمع، بالإيمان المطلق بأن هذا المنتج هو صديقهم المخلص، إنه يقول ما يقولون، ويؤمن بما يؤمنون به، وير�ض ما نر�ض، ويؤيد ما نؤيد، ذلك المنتج هو نحن، ونحن هو ذلك المنتج.

وذلك ضروري �ي الدعاية بلا شك، ومن أسس التسويق لأي شيء، هو الاهتمام بالـ«مكان» الذي ستسوق �يه هذا الشيء، والـ«مكان» كمجتمع ليس خال� من المشكلات الجسيمة، التقاليد والعادات التي تشكل طباعه، وما نسميه «أمراض المجتمع» أيضاً تلعب دوراً مهماً �ي تشكيل الرسالة الدعائية، ودعونا نت�ق أن دور المسوقين بعيدٌ تماماً عن معالجة ذلك المجتمع أو «الرقي» به بأي صورة، بل على العكس، �إن المجتمعات على حالها تلك هي رأس مال المسوقين، �ي أي مكان �ي العالم.

سيكون من الأ�ضل بلا شك أن ت�برز الإعلانات أ�ضل ما لدينا، وأن تأخذ بأيدي المستهلكين نحو تغيير عاداتهم للأ�ضل، خاصةَ أنها أقوى رسالة تدخل بيوت وعقول وقلوب المستهلكين، غير أن هذه ليست المسألة.

نواة تلك المجتمعات هي �ردان، امرأة ورجل..

ولو أعدنا الأمور إلى نصابها، سنجد أنهما «إنسان»، غير مثالي وغرائزه تشكل جزءاً كبيراً من وجوده، والمسوقون يعر�ون ذلك ويستغلونه بشكل كبير.

إعلانات «مزيل رائحة العرق» مثلاً، كل ما ت�عله ببساطة أنها تحسن رائحتك حتى لا تزعج الآخرين من حولك، وهو منتج مكمل لمنتجات العناية والنظا�ة الشخصية، ولكن المسوقين رأوا أن جعل ال�كرة بهذه البساطة لن يأخذهم بعيداً عن أس�ل أقدامهم، عليهم إذن اللعب على أوتار حساسة لجلب الاهتمام أكثر نحو «مزيل رائحة العرق»، ما هي تلك الأوتار؟

الغريزة بالطبع!، لن تجد إعلاناً عن «مزيلات رائحة العرق» للرجال دون رجل وسيم م�تول العضلات بلا قميص، سيكون غايةً �ي الوسامة لدرجة ستد�ع النساء �ي الشارع تلقائياً إلى تشمم إبطه!

إعلانات «معجون الأسنان»، لن تريك �ماً بأسنان ملوثة بالطعام تم تنظي�ها بذلك المنتج، لا.. سترى رجلاً وامرأة يسيران �ي الشارع، انجذب أحدهما للآخر بمجرد �تحه �مه بابتسامة تظهر ص�ي الللؤلؤ، وبالتالي سيقعان �ي غرام بعضهما بلا شك.. بسبب الأسنان!

والأمثلة كثيرة.. وكلها تداعب غرائز بسيطة، «الانجذاب بين الجنسين» و «الرغبة �ي أن تعجب الجنس الآخر».

و«المرأة»، كم�هوم مجرد، كغيرها من عناصر المجتمعات، ليست سوى وسيلة لبيع منتج ما طالما وا�ق ذلك العنصر اهتمام شريحة ما بشكل مباشر أو غير مباشر. ليس من شأن المسوقين إطلاقاً تسويق عبارات «تحرير المرأة» أو «تمكين المرأة»، أو «كوتة المرأة» أو الد�اع عن حقوقها وغيره، كل ما يشغلهم هو تسويق منتج، جلب مستهلكين/ جني أموال.

وإن كانت الرسالة توا�ق أهواء المجتمع وخاصة الشريحة التي يجب عليها د�ع الأموال لقاء تلك السلع، �قد نجحوا �ي اجتذاب قطاع كبير من المستهلكين، تصيبهم الحساسية والتهرش بمجرد سماعهم كلمات مثل تحرير/تمكين/حقوق/حرية المرأة.

ودعونا نت�ق أيضاً، أن المسوقين لو رأوا المقابل �ي تلك المجتمعات لاختل�ت النتائج تماماً، �لو كان المجتمع محايداً تجاه المرأة، ويعاملها كـ«إنسان» كامل الحقوق، �بالتأكيد سيكون من الغباء وال�شل أن يوجه المسوقون الرسائل الإعلانية الحالية ذاتها لمجتمع كهذا.

وتلك أيضاً ليست جريرة �تيات الإعلانات، على الناس أن تجد قوتها �ي أي مكان، وبأي وسيلة، حتى لو ظهرت كـ«سلعة» �ي إعلان قصير سيشكل وعياً لمجتمع كامل ويورثه لأبنائه.

�الأمر إذن لا يقتصر على «صورة المرأة» �ي الإعلانات، لأنه أكثر تعقيداً –وبساطة أيضاً- من ذلك بكثير.